الحب بالحجر لتطحنه، ثم وضعت الطحن في حفرة بالصخر وذهبت لبعض شأنها، فزينت لأولادها العبث، فحملوا الماء وكفئوه على الطحن، ثم أنسيت المرأة طحنها يومين ليفسد، فتصاعد منه ريح خانق. وفي اليوم الثالث حضر الرجل من الصيد ضمئاً يلهث، ونادى على المرأة لتسقيه ولم تكن المرأة بالكهف، فثار ثائره، وبحث عن ماء فلم يجد فانتهزت الفرصة وأرشدته إلى حفرة الماء والطحن ليشرب مما بها فيتسمم فيموت، فلما بلغ الحفرة نظر فيها وعاف رائحتها فزينت له الشرب منها، وكان ظمؤه بالغاً، فشرب قليلاً وسكت ثم عاد يشرب حتى امتلأ، وأنا أكاد أطير من الفرح، ثم رأيته يقوم مترنحاً يضحك ملء شدقيه، فعجبت، وإذا به يسير بين الكهوف يجري وراء النساء كالمجنون فيهربن منه مذعورات، ثم لقي امرأته فهجم عليها كالوحش وقتلها شر قتلة. ثم أخذ يقتل كل من صادفه من الرجال ويعتدي على النساء. ذلك الذي حسبته سيموت قد ازداد قوة وجرأة، وأخيراً ارتمى فنام، ثم صحا بعد ساعات فرجع إليه صوابه كما كان، فعلمت أن ذلك الشراب يفقد الرجل عقله إلى حين.
عاد الرجل إلى كهفه، فلما رأى الخابية مال عليها يكرع وأعاد سيرة الأمس، وتحدث أهل القبيل بهذا الأمر العجيب فجاء الرجال وكرعوا من الخابية، وجنوا مثل صاحبهم، وقد تركتهم ولا عمل لهم إلا صنع ذلك الشراب والعب منه، وتهتيك النساء، وتقتيل الرجال ولا أحسب قبيلهم بعد قليل إلا صائراً أثراً بعد عين)
فما إن سمع الشيطان هذا الحديث حتى وثب على المتكلم ولكن ليعانقه ويقبله. وتصايح الجمع صيحات الفرح، وأخذوا يرقصون ويقفزون. ثم رفع الشيطان يده فسكتوا فقال: (أيها الإخوان! لقد تجدد أملكم بذلك الشراب العجيب فانفروا إلى سطح الأرض. وانتشروا في المشارق والمغارب، وعلموا العدو الأبله صنع الشراب، وزينوا له شربه، فسيفرح الغبي به، ويذيب منه جوهرته اللعينة، فإذا شربه صار لعبة في أيدينا، وإذا أفاق اشتاق غليه فلا نزال به حتى نهلك منه الروح والجسد جميعاً، قولوا معي أيها الإخوان: لنحيي الخمر.
فتدفقوا وهم يرددون هذا الهتاف، ولا يزال هذا هتافهم إلى اليوم.