للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بدورة المياه، ثم شممت رائحة غاز الاستصباح، فخفت أن يكون صنبوره بالمطبخ بات مفتوحاً فذهبت إلى هناك. فوجدت باب المطبخ مغلقاً، فعالجته حتى انفتح، وتراجعت إلى الوراء خشية الغاز السام، ثم نظرت أمامي فرأيت. . . ويا لهول ما رأيت. . .) وغطت وجهها بكلتا راحتيها وزلزل صدرها بنهنهة خفت أن تحطمه. قالت: (رأيته ممدداً في أرض المطبخ وقد استنشق من الغاز القاتل حتى قضي الأمر).

ثم كفكفت عبراتها، وهدأ صدرها، وجلسنا واجمين صامتين، كأنما الميت ممدد أمامنا ونحن لجلال الموت في خشوع. أردت أن أقول شيئاً أنفس به عنها فلم أجد ما أقول، وماذا يقال في رجل قتل عقله بالشراب. وقتل نفسه بالغاز. عمد إلى أنفس ما أعطاه الله، وإلى أقدس ما أعطاه الله فدمرهما، ومرغ معه في رغام التعاسة سيدة فاضلة وأطفالاً بيض الصحائف.

وحان وقتت انصراف السيدة، فجلست وحدي، أنظر إلى نار الفحم، وإنها لأبرد من نار الصدور، وذهب بي الخيال مذاهب عجيبة، حتى لقد خلت أني أرى الشيطان نحيف الوجه مستطيله محروق الجلد طويل الأصابع أحمر العينين، في مجلس من أعوانه، في جوف بركان خامد، أول ظهور الإنسان على الأرض. قرض الشيطان بأنيابه المعوجة وقال: (ماذا ترون في الدمية التي صنع الله؟) مشيراً بإبهامه إلى أعلى حيث سطح الأرض. قال أحد الأعوان: (إن في رأس تلك الدمية) جوهرة تغشى بصري، لو اعتنى بها ذلك المخلوق، وتبع ضياءها ببصره، كاد أن يرى الله جهرة!). فازداد قرض الشيطان بأنيابه وصاح: (أريد جديداً أيها الأبله) فسكت الجميع زمناً ثم عاد الذي تكلم فقال: (والله ما أحسب ذلك المخلوق إلا مفلتاً من أيدينا بجوهرته تلك، فهي خليقة أن تسمو به إلى حيث النور، ولا يبقى في الظلام خائباً منبوذاً إلا نحن). فوثب عليه الشيطان وثبة فر أمامها فأخطاته. ثم عاد الشيطان إلى مقعده والشرر يتطاير من عينيه، وإذا بجني يهبط عليهم من فوهة البركان وهو يصيح: (أحطت بما لم تحيطوا به، وجئتكم بنبأ عظيم) فصاح به الشيطان: (والله لقد كنت أنتظرك أيها الملعون لأقطع أوصاك بعد هذا الغياب الطويل. قل فلعل عندك ما يشفع لك) فشرع الجني يقول:

(بصرت بقبيل من تلك المخلوقات البغيضة يعيشون في كهوف هذه الجبال، فتخيرت واحداً منهم قوي الجسم مغروراً، فصرت أزين له الفتك بأقرانه، وفي ذات يوم رأيت امرأته تدق

<<  <  ج:
ص:  >  >>