للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أبقيت جد بني الإسلام في صعد ... والمشركين ودار الشرك في حبب

ثم انظر حولي فأرى كل شيء قد تبدل

تغير حسن (الجعفري) وأنسه ... وقوض بادي الجعفري وحاضره

تحمل عنه ساكنوه فجأة ... فعادت سواء دوره ومقابره

إذا نحن زرناه أجد لنا الأسى ... وقد كان قبل اليوم يبهج زائره

(غدا موحشاً قفراً) كأن لم يقم به ... أنيس ولم تحسن العين مناظره

كأن لم تبت فيه الخلافة طلقة ... بشاشتها والملك يشرق زاهر

ولم تجمع الدنيا إليه بهاءها ... وبهجتها والعيش غض مكاسره

فإن الحجاب الصعب حيث تمنعت ... بهيبتها أبوابه ومفاخره

وأين عميد الناس في كل نوبة ... تنوب وناهي الدهر فيهم وآمره

لقد هجر الحياة. ونأى عن النعيم، وجفاه. . . حتى دجلة. . . دجلة أعرضت عن القصر، ونأت عنه وقد كانت تسيل على أعتابه. وجفته وكانت مع الدهر الدوار. . . والزمان الغدار، حتى دجلة التي أفاضوا عليها المجد، ووضعوا فيها الحياة، وأعطوها أكثر مما أخذوا منها. . . حتى دجلة التي تجري منذ ملايين السنين، فلم تجد اكرم ولا اعز ولا اعظم، من أصحاب هذا القصر وبناته. . .

حتى دجلة نسيت وكانت!!

ثم ودعنا البلاط وسرنا - وقد أودعناه قلوبنا وصببنا فيه نفوسنا ودموعنا. . . سرنا في الشارع الأعظم نصف ساعة في السيارة - وقد رأيناه بيناً، عرضه مائة متر والشوارع تتفرع عنه في نظام عجيب، وهندسة محكمة - والبيت قائمة على الجانبين وقد استحال أثرها إلى تلال من التراب كأنها القبور. . .

فمررنا على معسكر أشناس، وهو أشبه بميدان فسيح جداً حوله سور. حتى انتهينا إلى المسجد المعروف اليوم بجامع أبي دلف وهو أكبر من مسجد المتوكل وفي رواق قائم على خمس قناطر ومنارة كالملوية ولكنها أصغر منها. فوقفنا عليه.

وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب، فانتهت الرحلة هنا، وعدنا ونحن صامتون خاشعون. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>