أديباً فحسب ولا فيلسوفاً فحسب ولا اجتماعياً فحسب، وإنما كان له في كل هذا وأكثر من هذا، فكذلك نجد الجاحظ له في الأدب والفلسفة والاجتماع إلى آخر ما هو معروف عنه؛ وكما أن فولتير لم يكن في سخره وتهكمه يقف عند حد الفكاهة ولكنه كان يقصد إلى كثير من الأغراض الشريفة، فكذلك كان الجاحظ، فالمشابهة قوية بين الرجلين.
ثم قال: فالجاحظ لا شك من الشخصيات الكبيرة، وأهل العبقريات النادرة، وهو حري بالذكر والتكريم، ونحن إذ نقوم له بهذا الأسبوع بمناسبة مرور أحد عشر قرناً على وفاته، فإنما نحن نؤدي له بعض الواجب، ولا أكتمكم يا سادة إذا قلت لكم إننا في حاجة كبيرة إلى دراسة الجاحظ في كتبه وآثاره دراسة وافية كما تجب الدراسة، فإننا مع الأسف لا نعرف عنه إلا ما هو شائع في المجالس وما يسقط إلينا من نوادره. وكلية الآداب إذا كانت قد فكرت في إقامة هذا الأسبوع فإنها أرادت أن تلفت الأذهان للعناية بالجاحظ، وأن تنبه على وجوب دراسة العبقرية الواسعة الشاملة.
هكذا قال الدكتور الفاضل ولست أدري إذا كانت كلية الآداب لا تعلم عن الجاحظ إلا ما هو شائع في المجالس وما يسقط من النوادر، وإذا كانت لم تقصد إلا لفت الأذهان، فمن الذي يكون عنده العلم بالجاحظ، ومن الذي سيؤدي عنها هذا الحق في النقد والأدب.