للمسعودي في ذلك إذ يقول: زعم الجاحظ إن نهر مكران الذي هو نهر السند من النيل. واستدل على إنه من النيل بوجود التماسيح فيه، وهذا تحقيق باطل ناقص، لأن الجاحظ أقامه على قياس منطقي نظري فاسد النتيجة ولو طاوعنا الجاحظ في قياسه لكن كل نهر فيه التماسيح هو من النيل، لأن النيل فيه التماسيح.
وكان من رأي الأستاذ أن غاية ما للجاحظ هو الأسلوب ففيه براعته وشخصيته ومميزاته. . . ثم انتقده بالتكرار الممل، وقال إن الجاحظ كان يستعمل عبارات ثابتة يكررها كثيراً حتى كأنها (كلشيهات) فهو ينقلها من كتاب إلى كتاب ومن موضع إلى موضع، ومثل لذلك بكلامه في اصطناع الكتب إذ أورده في كتابه الحيوان، وأعاده في المحاسن والأضداد، وكذلك كلامه عن الحسد وعبارات كثيرة يدركها كل من وقف على كتبه.
اليوم السادس
أما اليوم السادس وهو اليوم الأخير فقد اضطلع به الدكتور طه وحده، وكان عليه أن يملأ فراغه فمدَّ رواق القول على كثير من نواحي الجاحظ مع أن موقفه في القول كان عند (فكاهة الجاحظ) فتكلم أولاً عن إطراء الأدباء للجاحظ وما يجب أن يكون له من هذا الإطراء؛ ثم تكلم عن دعابة الجاحظ بما تكلم به الأستاذ إبراهيم مصطفى من قبل، فقال إن الجاحظ قد نصر النثر على الشعر وجعله أقرب وأعذب في نفوس الجمهور والعامة، ولقد أشرت إلى ذلك فيما كتبته في تقدمة نقد النثر لقدامة، وقد قلت إن الجاحظ أثر في ابن الرومي من هذه الناحية، فمهد له طريق التقصي في المعنى والإسهاب.
ثم تكلم في فكاهة الجاحظ فقال: ولقد كانت الفكاهة من النواحي البارزة عند الجاحظ، وما كان الرجل يقصد في فكاهته إلى الضحك والإضحاك فحسب، ولكنه كان يقصد أيضاً إلى التصوير، ويقصد التهكم والسخر، ويقصد إلى النقد والهجاء، وأورد في الاحتجاج لذلك كلامه في نقد الخليل بن أحمد. ثم ذكر بعض فكاهاته فذكر من ذلك قصته مع محمد بن أبي المؤمل البخيل، ثم أنتدب الدكتور محمد عوض ليقرأ طرفاً من رسالة الجاحظ للمعتصم أو للمتوكل يحضه على تعليم أولاده ضروب العلوم وأنواع الأدب، وفيها كثير من ألوان الدعابة والشعر الفكه.
قال الدكتور: وعندي أن الجاحظ كان كفولتير، فكما أن فولتير لم يكن عالماً فحسب ولا