أبناء النعمة وتدبُّ أبداً حول موائد الواهبين. وما مثل هذه الشهوة إلا عرض الداء الدفين ودليل الانحطاط الخفي، وما الطموح إلى السرقة بمثل هذه الأنانية إلا نزعة من نزعات الجسوم العليلة.
أي شيء نراه أقبح الأشياء، أيها الأخوة، أفليس الانحطاط أقبحها؟ وهل يسعكم إلا أن تحكموا بانحطاط مجتمع لا أثر لروح السخاء والعطاء فيه.
إن سبيلنا يتجه إلى الأعالي، وما نقصده إنما هو الارتقاء من نوع إلى نوع، لذلك نرتعش عندما نسمع الانحطاط يهتف قائلاً:(لي كل شيء)
وهل روحنا إلا رمز لجسدنا وهي تطمح إلى الاعتلاء، وهل الصفات التي ندعوها فضيلة إلا عبارة عن هذه الرموز عينها؟
إن الجسد يقطع مسافات التاريخ بكفاحه، لكن ما تكون الروح من الجسد يا ترى إن لم تكن المزيع لكفاح الجسد وانتصاراته؟ وما الجسد إلا الصوت، وما الروح إلا الصدى الناجم عنه والتابع له. ليست الكلمات الموضوعة للدلالة على الخير والشر سوى رموز فهي تشير إلى الأمور ولا تعبر عنها ولا يطلب المعرفة فيها ومنها إلا المجانين.
انتبهوا، أيها الأخوة، إلى الزمن الذي يطمح فكركم فيه إلى البيان بالرموز لأن في هذا الحين تتكون الفضيلة فيكم، وفيه يبعث جسدكم ويتجه إلى الأعالي مجتذباً عقلكم من سكونه ليدفع به إلى مراحل الإبداع حتى إذا ما سار عليها عرف قيمة الأشياء وأحب فأجاد في كل أعماله.
في الزمن الذي يختلج فيه قلبكم تتكون فضيلتكم لأن هذا القلب يفيض باختلاجه كالنهر العظيم فيغمر القائمين على ضفافه بالبركة كما يهددهم بأشد الأخطار.
إنما تنشئ فضيلتكم عندما يعجز المدح والذم عن بلوغ شعوركم، فتطمح إرادة الرجولة فيكم إلى السيادة على كل شيء
إنما تنشئ فضيلتكم عندما تحتقرون النعم والفراش الوثير وعندما لا تجدون راحة إلا بعيدا عن مواطن الراحة
إنما تنشئ فضيلتكم عندما تنصب إرادتكم على مقصد واحد، وعندما يصبح هذا التحول في آلامكم ضرورة لا يسعكم التحول عنها