اسهروا وانتبهوا أيها المنفردون لأن من المستقبل تهب نسمات سرية حاملة بشائر لا تقرع إلا الآذان المرهفة.
إنكم في عزلة عن العالم، أيها المنفردون، ولكنكم ستصبحون شعباً في آتي الزمان، ومنكم سيقوم الشعب المختار لأنكم اخترتم نفسكم اليوم. ومن هذا الشعب سيولد الإنسان الكامل.
والحق أن الأرض ستصبح يوماً مستشفى للأعلاء، فإن في نشرها عبيراً جديداً هو عبير الإخلاص والأمل الجديد.
- ٣ -
وسكت زارا كمن يقف عند كلمة تتلجلج في فمه، وبعد أن قلب عصاه طويلاً بين يديه، أطلق صوته وقد تغيرت نبراته فقال:
هذه نصيحتي إليكم، ابتعدوا عني وقفوا موقف الدفاع عن أنفسكم تجاهي، بل أذهبوا إلى أبعد من هذا، أخجلوا من انتسابكم إليَّ فلقد أكون لكم خادعاً.
على من يطلب الحكمة ألا يتعلَّم محبة أعدائه فحسب بل عليه أيضاً أن يتعلَّم بغض أصدقائه. وما يعترف التلميذ اعترافاً تاماً بفضل أستاذه إذا هو بقى أبداً له تلميذاً. لماذا لا تريدون أن تحطموا تاجي؟
إنكم تحوطونني بالأجلال، ولكن ما هي الكارثة التي تتوقعونها من إعراضكم عني، إن في رفع الأنصاب لخطراً فاحترسوا من أن بسقط عليكم التمثال المنصوب فيقضي عليكم
تقولون إنكم تؤمنون بزارا، ولكن أية أهمية له؟ تقولون إنكم مؤمنون، ولكن ما أهمية جميع المؤمنين؟ ما كان أحد منكم فتش عن نفسه قبل أن وجدتموني، وهكذا جميع المؤمنين، فليس الإيمان شيئا عظيماً. لذلك آمركم الآن أن تضيعوني لتجدوا أنفسكم، ولن أعود إليكم إلا عندما تكونون جحدتموني جميعكم.
والحق، يا إخوتي، إنني في ذلك الحين، سأفتش عن خرافي بعين أخرى فأبذل لكم حباً غير هذا الحب.
سيأتي يوماً تصيرون فيه أصحاباً لي إذا ما وحد بينكم الأمل الواحد، عندئذ سأرغب في الإقامة بينكم للمرة الثالثة للاحتفاء بأنوار الهاجرة العظمى.