الأسلوب، ذلك أن اللغة الإنجليزية تكتب جملا منفصلة قليلة الروابط اللفظية مع أن الفقرة الطويلة تعبر في الغالب عن معنى واحد شامل مرتبط الأجزاء متسلسل الجمل. والفقرات كذلك مرتبط بعضها ببعض. لكن هذه الروابط روابط ملحوظة غير ملفوظة في كثير من الأحيان، ويتوقف إدراك المعنى على فهم هذه الروابط بين الجمل والفقرات، وتختلف اللغة العربية في ذلك عن اللغة الإنجليزية، فالعبارة العربية تحتاج إلى الروابط اللفظية بين الجمل، ومتانة الأسلوب تستدعي حسن الانتقال من فقرة إلى فقرة، وإلا كان هذا الأسلوب مفككا غير فصيح وبعيدا عن الذوق العربي، وكل خطأ في فهم هذه الروابط والتعبير عنها يفسد الأسلوب ويغير المعنى. وربما كان ذلك أصعب شيء في الترجمة، وهو الذي يجعل الكتب المترجمة ركيكة الأسلوب أجنبية في حقيقتها، وإن كتبت بألفاظ عربية. والمترجم القدير هو الذي تقرأ كتابه فلا تشعر أنه مترجم، بل تحس بأنك تقرأ كتاباً عربياً فصيحاً.
(٤) وثمة مسألة أخرى ترتبط بالمسألة السابقة وهي الأمثال والتشبيهات ونحوها، وهل تترجم بلفظها أو بمعناها. ونحن نرى أن يترجم معناها. واللغة العربية غنية بالأمثال والحكم والتشبيهات، ولا يعجز الأديب المطلع عن العثور لكل تشبيه أو مثل إنجليزي على ما يقابله في اللغة العربية، فإذا لم يجده فلا ضير عليه أن يترجمه بشرط ألا تكون الترجمة عسرة الفهم ولا بعيدة عن الذوق العربي السليم.
(٥) وكثيرا ما يقصد المؤلف أن يؤكد بعض المعاني تأكيداً خاصاً لأهميتها في نظره، وكثيراً ما يسبغ على بعض المعاني ثوباً روائياً أو شعرياً يقتضيه غرضه، وواجب المترجم القدير في مثل هذه الأحوال ألا يغفل عن ذلك في الترجمة ليكون أميناً على معاني المؤلف وروحه معا.
تلك أهم المبادئ التي سنبني عليها نقدنا لترجمة الأستاذ فؤاد صروف وبقدر انطباقها على الترجمة يكون حكمنا عليها وموعدنا بذلك العدد القادم إن شاء الله