للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أنا أفهم أن المرء يقهر فيخضع، ويؤسر فيسترق، لأن الأمر في ذلك لا يخرج عن قانون الطبيعة من تغلب الأقوى وسيادة الأصلح؛ ولكني لا أستطيع أن أفهم كيف يستأسر شعب بأسره لواحد منه، فيلقى بزمامه إليه، ويعول في جميع أموره عليه، والشعب مهما صغر لا يقل عن شعب، والفرد مهما كبر لا يزيد على فرد. والقوة والثروة والسلطان هي في ذلك الجمع الذي فيه الجندي والفلاح والعامل، لا في ذلك المفرد الذي فيه السرف والترف والبغي؟

لقد مات ذلك الإنسان المغفل الذي كان يجعل إلهه حيواناً يربيه ثم يمجده، أو جماداً يصنعه ثم يعبده

إن الديمقراطية يا صديقي أخلق النظم بكرامة الإنسان وسلامة العالم. هبط وحيها على الإنسان المفكر الحر في أثينا، ثم أصابها ما أصاب رسالات الخير في الأرض من شيوع الجهالة، وبلادة الحس، وأثرة الهوى، وطغيان الحكم، فصارت عروساً من عرائس الخيال كالحق والعدل والحرية، تتمثل في الأحلام، وتتراءى في المنى، وتقتل في سبيلها الأنفس الكريمة، حتى ظفر بها الأوروبي الحديث بطول جهاده وكثرة ضحاياه ووفرة علمه وقوة شعوره، فأصبح كل فرد بمقتضاها صاحب حق في الوطن، وصاحب رأي في التشريع، وصاحب صوت في الحكم؛ وصار العامل الفقير والصانع الأجير والفلاح المتواضع قادرين على أن يلغوا الوظيفة التي لا تفيد، ويسقطوا الحكومة التي لا تعدل.

الديمقراطية هي المسواة في الحق والواجب، والمشاركة في الغنم والغرم، والميدان الحر للكفايات الممتازة لا يعوقها عن بلوغ الأمد فيه عائق من نسب أو لقب أو ثروة. فكيف يجري في ذهنك هذا الخاطر وأنت من أصفى الشباب حساً وأنبلهم نفساً وأكثرهم ثقافة؟

لم يجد الشاب في نفسه ما يقوله؛ لأن الواقع في ذهنه هو اضطراب الحيرة لا اختمار الفكرة. فعبر عن كل ما بقي في خاطره بهذا السؤال:

- وماذا تقول في موسوليني وهتلر؟

- أقول أنهما مظهر حاد من مظاهر الديمقراطية. كلا الرجلين يعمل بالشعب وللشعب؛ وكلاهما يمثل قوة الأمة وينفذ إرادة الأمة؛ وكلاهما يعتقد أن اليد التي استطاعت أن ترفع تستطيع أن تضع.

<<  <  ج:
ص:  >  >>