التي كتب فيها الدين وأخشى أن ينكر إذا هو علم بضياعها؛ فادع الله لي وله يظفرني بديني وأن يثبته على الحق. فقال الشيخ: إني رجل قد كبرت وأنا أحب الحلوى، فأذهب فاشتر لي رطلا منها وأمتعني به حتى أدعو لك.
فذهب الرجل فاشترى الحلوى ووضعها له البائع في ورقة فإذا هي الوثيقة الضائعة. وجاء إلى الشيخ فأخبره، فقال له: خذ الحلوى فأطعمها صبيانك لا أذاقنا الله طعم أنفسنا فيما نشتهي. ثم انه التفت إلي وقال لو أن شجرة اشتهت غير ما به صحة وجودها وكمال منفعتها فأذيقت طعم نفسها، لأكلت نفسها وذوت
قال أبو علي: والمعجزات التي تحدث للأنبياء والكرامات التي تكون للأتقياء، وما يخرق العادة ويخرج عن النسق كل ذلك كقول القدرة عن الرجل الشاذ: هو هذا. فلم تبق بي حاجة إلى سؤال الشيخ عن خبره مع ابن طولون، وكنت كأني أرى بعيني رأسي كل ما سمعت، بيد أني لم أنصرف حتى لقيت أبا جعفر القاضي أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ذاك الذي يحدث بكتب أبيه كلها من حفظه وهي واحد وعشرون مصنفا فيها الكبير والصغير. فقال لي: لعلك اشتفيت من خبر بنان مع ابن طولون فمن أجله زعمت - جئت إلى مصر. قلت: إنه تواضع فلم يخبرني وهبته فلم أسأله. قال: تعال أحدثك الحديث.
كان أحمد ابن طولون من جارية تركية وكان طولون أبوه مملوكا حمله نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون فيما كان موظفا عليه من المال والرقيق والبراذين وغير ذلك. فولد أحمد في منصب ذلة تستظهر بالطغيان. وكانت هاتان طبيعتيه إلى آخر عمره، فذهب بهمته مذهبا بعيدا، ونشأ من أول أمره على أن يتم هذا النقص ويكون أكبر من أصله، فطلب الفروسية والعلم والحديث، وصحب الزهاد وأهل الورع، وتميز على الأتراك وطمح إلى المعالي. وظل يرمي بنفسه وهو في ذلك يكبر ولا يزال يكبر كأنما يريد أن ينقطع من أصله ويلتحق بالأمراء، فلما ألتحق بهم ظل يكبر ليلحق بالملوك، فلما بلغ هؤلاء كانت نيته على ما يعلم الله
قال: وكان عقله من اثر طبيعتيه كالعقلين لرجلين مختلفين فله يد مع الملائكة ويده الأخرى مع الشياطين، فهو الذي بنى المارستان وأنفق عليه وأقام فيه الأطباء وشرط إذا جيء بالعليل أن تنزع ثيابه وتحفظ عند أمين المارستان، ثم يلبس ثيابا ويفرش له ويغدى