عليه ويراح بالأدوية والأغذية والأطباء حتى يبرأ، ولم يكن هذا قبل إمارته. وهو أول من نظر في المظالم من أمراء مصر. وهو صاحب يوم الصدقة، يكثر من صدقاته كلما كثرت نعمة الله عليه، ومراتبه لذلك في كل أسبوع ثلاثة آلاف دينار سوى مطابخه التي أقيمت في كل يوم في داره وغيرها، يذبح فيها البقر والكباش ويغرف للناس. ولكل مسكين أربعة أرغفة يكون في اثنين منها فالوذج وفي الآخرين من القدور، وينادي من احب أن يحضر دار الأمير فليحضر. وتفتح الأبواب ويدخل الناس وهو في المجلس ينظر إلى المساكين ويتأمل فرحهم بما يأكلون ويحملون فيسره ذلك ويحمد الله على نعمته. وكان راتب مطبخه في كل يوم ألف دينار، واقتدى به ابنه خمارويه، فأنشأ بعده مطبخ العامة ينفق عليه ثلاثة وعشرين ألف دينار، كل شهر
وقد بلغ ما أرسله ابن طولون إلى فقراء بغداد وعلمائها في مدة ولايته ألفي ألف ومائتي ألف دينار وكان كثير التلاوة للقرآن، وقد اتخذ حجرة بقربه في القصر وضع فيها رجالا سماهم بالمكبرين، يتعاقبون الليل نوباً، يكبرون ويسبحون، ويحمدون، ويهللون، ويقرءون القرآن تطريباً وينشدون قصائد الزهد، ويؤذنون أوقات الآذان، وهو الذي فتح إنطاكية في سنة خمس وستين ومائتين ثم مضى إلى طرسوس كأنه يريد فتحها، فلما نابذه أهلها وقاتلهم، أمر أصحابه أن ينهزموا عنها ليبلغ ذلك طاغية الروم، فيعلم أن جيوش ابن طولون على كثرتها وشدتها لم تقم لأهل طرسوس فيكون بهذا كأنه قاتله وصده عن بلد من بلاد الإسلام ويجعل هذا الخبر كالجيش في تلك الناحية
ومع كل ذلك فأنه كان رجلاً طائش السيف يجور ويعسف وقد أحصى من قتلهم صبراً أو ماتوا في سجنه فكانوا ثمانية عشر ألفا. وأمر بسجن قاضيه بكار بن قتيبة في حادثة معروفة وقال له: غرك قول الناس ما في الدنيا مثل بكار؟ أنت شيخ قد خرفت؛ ثم حبسه وقيده وأخذ منه جميع عطاياه مدة ولايته القضاء فكانت عشرة آلاف دينار؛ قيل أنها وجدت في بيت بكار بختمها لم يمسها زهداً وتورعاً
ولما ذهب شيخك أبو الحسن يعنفه ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر طاش عقله فأمر بإلقائه إلى الأسد، وهو الخبر الذي طار في الدنيا حتى بلغك في بغداد
قال: وكنت حاضراً أمرهم ذلك اليوم، فجيء بالأسد من قصر ابنه خمارويه. وكان هذا