الإسلام) للعلامة المجتهد الشيخ أحمد محمد شاكر القاضي الشرعي. فقلت: ابن بجدتها، علم غزير، وذكاء وفير، والمهنة مستوجبة للدرس، والظروف مؤاتية.
قرأت الكتاب بشغف قوي وبما يستحق من عناية وإنعام نظر، فرأيته - ولا أريد أن أمدح - نعم الكتاب هو، وافياً بالغرض، قائماً على الحجة القوية من كتاب الله وسنة رسوله مسترشداً بالعقل وقوانين اللغة، بعيداً عن اللغو ومواطن الزلل، ورأيت الإخلاص للحق مماثلاً فيه بدليل توفقه - بأسلوب سهل - للإحاطة بأطراف الموضوع في موجز كهذا (وهو بالنسبة لخطورة الموضوع وجيز) وبدليل بعده عن الخوض في (سب سادات مضوا) شأن كثير ممن يتعرضون للكتابة في مواضيع اختلفت فيها الآراء وتشعبت الأقوال.
ومسأله الكتاب: إخراج الطلاق من حيز العبث الذي أدخله فيه الناس إلى حيز الحكمة التي ابتغاها الشارع الحكيم من مشروعيته، واعتباره علاجا لإصلاح ما قد يطرأ على الرابطة الزوجية من أمراض تنغص العيش، وتذهب بالسكينة المنشودة من الزواج (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) والذي يجعل لإصلاح العلاقة الزوجية لا يستعمل لقطعها إلا إذا تعذر الإصلاح وكان العلاج هو القطع. ومن هنا أذن الله للرجل في الطلاق وجعل له فيه أداة ومهلة يتروى فيها ويراجع نفسه (لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً) وبهذا تتجلى حكمة الطلاق ويبدو أنه تشريع منظم غاية التنظيم.
وقد حرص المؤلف على تقرير هذا المعنى في المواضيع المناسبة؛ غير أن ما أشترط لصحة وقوع الطلاق غير كافي للحيطة من العبث به وتعجيل الفراق. فقد أشترط في طلاق المدخول بها أن يكون الطلاق في طهر لم يمس فيه وقال:(فإذا رد الرجل مطلقته في عدتها إلى عصمته بالرجعة تجدد العقد بينهما، فكأنه وصله بعد إذ قطعه، فيمكن قطعه وفسخه مرة أخرى، وكذلك الثالثة. ص ٧٢) وهذا كله يتصور في طهر واحد، كأن يطلق في طهر لم يمس فيه ثم يراجع نفسه فيرجعها بشروط الرجعة - ثم يرى طلاقها فيطلقها في نفس الطهر قبل أن يمس ثم يعود إليه صوابه فيرجعها، ثم يرى طلاقها في نفس الطهر أيضاً قبل أن يمس فيطلق. وحينئذ يقع الفراق الذي لا رجعة بعده في طهر واحد، ويكون قد تعجل الطلاق وخالف الحكمة في تفريقه. وليس فيما حقق الأستاذ ما يمنع المطلق من إيقاع الطلاق على الصورة الذي ذكرنا أو ما يبطل طلاقه لو فعل.