والذي أراه يتمشى مع الحكمة هو التمشي مع نصوص القرآن الكريم، وذلك بعدم إجازة الرجعة التي تترتب عليها صحة الطلاق الثاني إلا عند نهاية العدة لقوله تعالى:(فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) فإنه رتب الإمساك (وهو الرجعة) على بلوغ الأجل. وبلوغ الأجل في حق الرجعة يراد منه قرب بلوغ الأجل لأن الرجعة لا تصح بعد بلوغه
وحرمان الزوجين من بعضهما مدة العدة أدعى للوفاق بينهما فيما بعد. لأن الزوجة بسبب هذا الحرمان تصلح من شأنها، والزوج بسببه لا يقدم على طلاق آخر إلا إن كانت الضرورة ماسة جداً خلاف ما لو راجع حالا فإنه لا يشعر بشيء يزجره ويذيقه بالفعل خطورة ما أقدم عليه
وقرب بلوغ الأجل، أي نهاية العدة، يكون في الحيض الأخير أو الطهر الذي قبله، فإن حصلت المراجعة في الطهر الذي قبل الحيض الأخير ومست الحاجة للطلاق الثاني طلق إن شاء قبل أن يمس كما في الحديث. وإن حصلت الرجعة في الحيض الأخير صحت الرجعة ويطلق في الطهر الذي بعدها إن شاء قبل أن يمس. وهكذا في الطلقة الثالثة
وبهذا النظام لا تقع الفرقة النهائية إلا في ظرف واسع كاف للتروي ومراجعة الرأي. وهو وقت يقرب من ثلاث عدد. ومن لم يحسن العشرة فيه كان مستحقاً لعقاب الحرمان الأدبي من رفيقه، أو ألا يرجع إليه إلا بعد زوج آخر، وهو ما لا ترضاه النفوس غالباً
بقي: هل يبطل الطلاق في الحيض أو يقع ويحرم؟
رجح المؤلف بطلانه، وهو رأي بعض الأئمة؛ ورجح غيره حرمته فقط، وسمي بالطلاق البدعي. استدل المؤلف بحديث ابن عمر من روايات متعددة ذكرها فيما بين الصفحة ٢٣ والصفحة ٢٨، واحتج القائلون بالوقوع بحديث ابن عمر نفسه من روايات أخرى قال المؤلف عنها:(ليس فيها شيء صريح وألفاظها مضطربة وهي تخالف ما ثبت صريحاً بالروايات الصحيحة، وتخالف أيضاً ما يفهم من ظاهر القرآن)
وأنا أصدق المؤلف فيما قال في الروايات التي تمسك بها خصوم رأيه، ولم أطالعها، ولكنني أقطع النظر عنها وأقول: إن الروايات التي تمسك بها هو لا تساعده على رأيه لأن