وبناء على هذا يكون العامة - وهم الذين يحتكون بالأجانب في المعاملات - قد ظلوا جاهلين بحقيقة هذه الديانة حتى القرن السادس أي بعد ظهور كثير من الديانات الشرقية. وبهذا ينتفي تأثير الديانة المصرية على تلك الديانات.
ولا ريب أن البرهان الأول في رأينا برهان ضعيف، لأن الديانة كما تنتشر بواسطة المبعوثين المختصين، تنتشر كذلك عن طريق الاحتكاكات التجارية والسياسية والاجتماعية، ولا جرم أن هذا كان موجوداً وثابتاً الثبات كله. أما إدعاء أصحاب هذا الرأي جهل الشعب بالعقائد المصرية حتى القرن السادس فهو غير صحيح، لأن الأدب المصري - وهو مرآة الحياة الاجتماعية بما تحتويه من دين وأخلاق وغيرهما - قد أنبأنا في مواضع تجل عن الحصر بكثير من أسرار العقيدة. أضف إلى هذا أن الرسوم والنقوش التي تكتظ بها المعابد تذيع أكثر هذه الأسرار الدينية، وليس سرا ما يعلمه الكهنة والأمراء، ورجال البلاط، وكبار الموظفين، والرسامون والعمال. على أنه إذا جازت سرية ما لدى هؤلاء جميعاً - وهي بعيدة - فلا تجوز سرية ما لدى الأدباء والكتاب الذين افعموا أسفارهم بوصف هذه المعلومات بأسلوب ضاف مسهب. وإذا فالأرجح - أن لم يكن مؤكدا - أن جميع الأمم القديمة من غير استثناء هي تلميذات مصر في الدين كما هي تلميذاتها في العلم والأدب والفن.
غير أنه بالرغم من صحة هذه النظريات القائلة بأخذ الأمم الشرقية دياناتها عن مصر في نظرنا يجب علينا أن نخطو إلى إثباتها خطوات حذرة متبصرة تأتلف مع تلك المعلومات البسيطة التي اكتشفها المستمصرون، منتظرين ما تأتي به المكتشفات المقبلة عن هذه الأمة العريقة التي سمى العلماء بلادها بحق:(أرض الأسرار والعجائب).
قداسة الحيوان وأسبابها عند المصريين
رأى علماء أوروبا في العصور الحديثة، الآثار المصرية مكتظة بالحيوانات المقدسة، ورأوا كذلك بعض الشعوب البربرية المتوحشة في جنوب أفريقيا وفي أطراف أسيا وأمريكا تقدس الحيوانات في هذا العصر الذي نعيش فيه تقديسا لا يقل عن تقديس المصريين إياها في العصور الغابرة، فانخدعوا بهذه المشابهة السطحية وتوهموا أن تقديس المصريين القدماء للحيوانات هو من نوع تقديس المعاصرين المتوحشين لها، وحسبوا أن التقديس المصري