للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأدبين العربي والغربي

ذكرت من خلاله ما ذكرت لأمر يعنيني الساعة، ذلك أن كتابه الذي أقدمه لك صورة صادقة من شخصه، وذلك لعمري خير ما يوصف به كتاب لصاحبه مثل هاتيك الخلال. ولا جرم أن الصدق في الآثار الأدبية أكبر عامل في نفاذها إلى القلوب ودوامها على الأيام، وإنك لتجد الصدق في هذا الكتاب في مقدمة فضائله

وبعد فما موضوع هذا الكتاب؟ أهو سلسلة مقالات في شتى الفنون؟ كلا فلست تجد فيه ما تجد غالباً في المقالات من غلظة وثقل يتقاضيانك كد ذهنك والتحامل على نفسك. إذا فهل هو قصة أو مجموعة من الأقاصيص؟ كلا ليس هو من ذلك الفن من فنون الأدب وإن كنت تحس روح القصة وتتمثل شبحها في كثير من مواضعه. ليس الكتاب من أدب المقالة وإن كان موضوعات متفرقة، ولا هو من القصة وإن كان للكثير من موضوعاته شبحها، وإنما هو (حديث) نعم هو (أساطير وخاطرات خطرت ملكت على الفكر سبله فلم يستطع تشريدها أو الفرار منها)

ينتظم هذا الكتاب ما جاشت به نفس صاحبه من معان وخطرات، فإذا عدت إلى ما سردت عليك من خلاله، أمكنك أن تدرك موضوع الكتاب جملة وتلمح شيئا من روحه.

ذكرني هذا الكتاب الطريف الفذ، بآثار الأديبين الإنجليزيين الكبيرين (اديسون) وصاحبه (ستيل). عمد هذا الكاتبان في كثير مما كتبا في مستهل القرن الثامن عشر إلى نقد بعض أحوال المجتمع ودراسة بعض الأشخاص، بطريقة لطيفة هادئة، لا ترى فيها أثرا للهجوم اللاذع ولا التجريح القاسي البغيض، بل ترى الرفق واللين اللذين يفعلان ما لا يستطيع العنف أن يفعل، كل ذلك في خفة روح ورقة دعابة وروعة تصوير

وأنت ترى ذلك واضحا في كتاب الدكتور عوض، وإني أقرر هنا أنه ما قصر به فنه عن فنهما، ولا نزل به أسلوبه عن مستواهما؛ بل لست أغلو أن ذكرت أن بعض قطع عوض قد فاقت عندي بعضا مما قرأت لهما. خذ لذلك مثلا (في طريق البغال) و (الثور في مستودع الخزف) و (معهد الطفيليات)

اقرأ تلك وأمثالها، فلا يسعك إلا أن تسلم معي أنه يحق لأدبنا العصري أن يفخر بها. ثم اقرأ تلك القطعة: (الكائن الممسوخ) وانظر كيف كان الدكتور ماهرا مهارة يستحق عليها

<<  <  ج:
ص:  >  >>