يتصل بالدين من ناحية العمل وناحية التبيين فإذا نافق فقد كذب وغش وخان.
وما معنى العلماء بالشرع إلا إنهم امتداد لعمل النبوة في الناس دهراً بعد دهر، ينطقون بكلمتها ويقومون بحجتها، ويأخذون من أخلاقها كما تأخذ المرآة النور، تحويه في نفسها وتلقيه على غيرها فهي أداة لإظهاره وإظهار جماله معاً.
أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق وعلماء السوء وكلهم آخذ من نور واحد لا يختلف؟ إن أولئك في أخلاقهم كاللوح من البلور يظهر النور نفسه فيه ويظهر حقيقته البلورية، وهؤلاء بأخلاقهم كاللوح من الخشب يظهر النور حقيقته الخشبية لا غير
وعالم السوء يفكر في كتب الشريعة وحدها، فيسهل عليه أن يتأول ويحتال ويغير ويبدل ويظهر ويخفي، ولكن العالم الحق يفكر مع كتب الشريعة في صاحب الشريعة فهو معه في كل حالة يسأله: - ماذا تفعل وماذا تقول؟
والرجل الديني لا تتحول أخلاقه ولا تتفاوت ولا يجيء كل يوم من حوادث اليوم، فهو بأخلاقه كلها لا يكون مرة ببعضها ومرة ببعضها، ولن تراه مع ذوي السلطان وأهل الحكم والنعمة كعالم السوء هذا الذي لو نطقت أفعاله لقالت لله بلسانه: هم يعطونني الدراهم والدنانير فأين دراهمك أنت ودنانيرك؟
إن الدينار يا ولدي إذا كان صحيحاً في أحد وجهيه دون الآخر أو في بعضه دون بعضه فهو زائف كله. وأهل الحكم والجاه حين يتعاملون مع أمثال هؤلاء يتعاملون مع قوة الهضم فيهم. . . فينزلونهم بذلك منزلة البهائم تقدم أعمالها لتأخذ لبطونها. والبطن الآكل في العالم السوء يأكل دين العالم فيما يأكله. . .
فإذا رأيت لعلماء السوء وقاراً فهو البلادة، أو رقة فسمها الضعف، أو محاسنة فقل إنها النفاق، أو سكوتاً عن الظلم فتلك رشوة يأكلون بها
قال الإمام وما رأيت مثل شيخي سلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام. فلقد كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيئاً تصنعه طبيعته كما يصنع جسمه الحياة، فلا يبالي هلك فيه أو عاش إذ هو في الدم كالقلب لا تناله يد صاحبه ولا يد غيره. ولم يتعلق بمال ولا جاه ولا ترف ولا نعيم، فكان تجرده من أوهام القوة قوة لا تغلب. وانتزع خوف الدنيا من قلبه فغمرته الروح السماوية التي تخيف كل شيء ولا تخاف؛ وكان بهذه الروح كأنه تحويل