للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتبديل في طباع الناس حتى قال الملك الظاهر بيبرس وقد رأى كثرة الخلق في جنازته حين مرت تحت القلعة: الآن استقر أمري في الملك، فلو إن هذا الشيخ دعا الناس إلى الخروج علي لأنتزع مني المملكة

وكان سلطانه في دمشق الصالح إسماعيل، فاستنجد بالإفرنج على الملك نجم الدين أيوب سلطان مصر؛ فغضب الشيخ وأسقط اسم الصالح من الخطبة وخرج مهاجراً، فأتبعه الصالح بعض خواصه يتلطف بها ويقول له: ما بينك وبين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه وأكثر مما كنت عليه إلا إن تتخشع للسلطان وتقبل يده. فقال له الشيخ: يا مسكين أنا لا أرضى أن يقبل السلطان يدي. أنتم في واد وأنا واد:

ثم قدم إلى مصر في سنة ٦٣٩ فأقبل عليه السلطان نجم الدين أيوب وتخفى به وولاه فطابت مصر وقضاءها. وكان أيوب ملكاً شديد البأس لا يجسر أحد أن يخاطبه إلا مجيباً، ولا يتكلم في أحد بحضرته ابتداء؛ وقد جمع من المماليك الترك ما لم يجتمع مثله لغيره من أهل بيته حتى كان أكثر أمراء عسكره منهم وهم معروفون بالخشونة والبأس والفظاظة والاستهانة بكل أمر. فلما كان يوم العيد صعد إليه الشيخ وهو يعرض الجند ويظهر ملكه وسطوته والأمراء يقبلون الأرض بين يديه؛ فناداه الشيخ بأعلى صوته ليسمع هذا الملأ العظيم: يا أيوب! ثم أمره بإبطال منكر انتهى إلى علمه في حانة تباع فيها الخمر. فرسم السلطان لوقته بإبطال الحانة وأعتذر إليه

فحدثني الباجي قال: سألت الشيخ بعد رجوعه من القلعة وقد شاع الخبر فقلت يا سيدي كيف كانت الحال؟

قال يا بني رايته في تلك العظمة فخشيت على نفسه أن يدخلها الغرور فتبطره، فكان ما باديته به

قلت: أما خفته؟

قال: يا بني استحضرت هيبة الله تعالى فكان السلطان أمامي كالقط. ولو إن حاجة من الدنيا كانت في نفسي لرأيته الدنيا كلها؛ بيد إني نظرت بالآخرة فامتدت عيني فيه إلى غير المنظور للناس، فلا عظمة ولا سلطان ولا بقاء ولا دنيا، بل هو لاشيء في صورة شيء

نحن يا ولدي مع هؤلاء كالمعنى الذي يصحح معنى آخر، فإذا أمرناهم فالذي يأمرهم فينا

<<  <  ج:
ص:  >  >>