قط، وبذلك استخدم المتنبي اللفظ ونطقه لأداء المعنى وهي هي الوسيلة التي استغلها أدباء الإنجليزية قصداً وعمداً أكبر استغلال وأبدعه. أما الحركة السريعة فيؤديها البحر الكامل المتدفع، وهو لذلك خير ما يصور فيه عدو الجياد، كما في قول المتنبي
وفوارس لا الهضب يوم مغارها ... هضب ولا الوعر الحزون حزون
ففي هذين البيتين تصوير رائع لعدو الخيل. وقد ساعد التوفيق الشاعرين في ألفاظهما بجانب الوزن الذي اختاراه، فتكرار حرف الباء في بيت أبي الطيب مما يزيد وقع حوافر الخيل في بيته جلبة ووضوحاً، وتكرار كلمتي الهضب والحزون في بيت ابن هانئ يوحي إلى المخيلة تتابع الهضاب والروابي أثناء عدو الفوارس، حتى يكاد يتخيل الإنسان سيقان الخيل وهي تنهب تتلك الحزون وتقفز من ربوة إلى ربوة. ويكاد البيت يعرض أمامك شريطاً سينمائياً متحركاً، ومتى بلغ الشاعر هذا المدى من دقة التصوير وروعته، فقد أوفى على الغاية من الفن والشاعرية، كذلك نرى الوزن واللفظ قد اصطلحا على إبراز المعاني في قول مسلم بن الوليد في مفازة:
تمشي الرياح بها حيرى مولّهة ... حسرى تلوذ بأطراف الجلاميد
وقول ابن حمديس:
وراقصة لقطت رجلها ... حساب يد نقرت طارها
وقول المتنبي:
في سعة الخافقين مضطرب ... وفي بلاد من أختها بدل
ففي بيت مسلم تكاد تحس الرياح المحرقة تلفح وجوهنا ونتمثلها تضرب جوانب الصخور؛ وفي بيت الصقلي تتمثل حركة الراقصة السريعة الخاطفة؛ وفي البيت الثالث تتمثل المتنبي على ظهر ناقته وهي تخالف بين أظلافها ممعنة في الذهاب. لما يمتاز به بحر المنسرح من اضطراب الحركة واندفاعها، على حين يمتاز بحر الخفيف بالتؤدة وزنة الحزن، مما يجعله أليق البحور بالمرائي والوجدانيات، وهو من أهم أسباب سيماء الوقار والشجن التي تتسم بها دالية المعري المشهورة التي مطلعها: