للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتلج في باطن الأرض ثم تقلبها بما عليها، وتصعد في الجو، ثم تنزل كالبلاء المصبوب. . ثم انصدع صدع عظيم وهويت إلى قعر الهاوية، وكان حولي مئات من النمور والفهود والأفاعي، وسمعت رعداً شديداً، ورأيت برقاً ومطراً، ثم عادت السيول تجري، تدحرج آلافاً من الصخور.

. . . فتحت عيني. . وإذا الحلم حقيقة، وإذا الصيحة في الحي والقيامة قد قامت، وخفارات الحراس، وأبواق الجنود تصدح باستمرار، والنساء يولولن ويعدون، والأطفال تبكي وتركض في كل مكان، والرجال تصيح طالبة النجدة؛ وتبينت وسط الضجة الكلمة الرهيبة: كسر النهر. . النهر انكسر!

وتدفق سيل العرم!

إن هذا النهر الذي جاء من قمم الأناضول الشاهقة وسلك على السهول الممرعة، والصحاري المجدبة، قد تعب من سيره الطويل المضني. فجاء يستريح على هذه الحقول التي زخرفها الربيع وأزهر فيها النارنج، وفتح الورد والقرنفل والفل، واترع نسيمها العطر. فيحيل ذلك كله إلى صحراء قاحلة. جاء يغرس هذه الحياة الرخية السعيدة بزور اليتم والفقر والنكد.

ولكن الذنب علينا؛ لو أنا أنشأنا له مأوى يستريح فيه وسريراً ينام عليه، لهجع فيه إلى أيام الصيف، ثم لخرج بالبركة واليمن إلى أراضينا وبلادنا!

تركت الدار وخرجت أسبح في هذا الخضم من الناس، أدفع النساء والشيوخ والشباب، لأصل إلى الشاطئ فأعمل عملاً ولست أدري ماذا أعمل؟ ولست أحسن السباحة، ولست أعلم ما الفائدة من ذهابي، ولم أفكر في شيء من ذلك لأن الإنسان لا يفكر في ساعة الخطر، وإنما يعمل. . فلما وقفت على الصدع هالني وأرعبني أن النمر قد أفلت من القفص. وخرج يعدو مجنوناً مستطار اللب، كاشراً عن أنيابه يزمجر ويزأر، ويبرق ويرعد

إن الماء يندفع إلى العلاء بقوة الديناميت، ثم ينزل على الحقول، فيقضي فيها مكتسحاً كل شيء في طريقه، يقتلع الأشجار الضخمة، ويقذف بها كأنما هي عيدان الكبريت، وينسف البيوت كأنما هي علب من الورق، ويتدفق من كل جهة. . . وقد ابتلع صوته المدوي كل ضجة، وملأ الأسماع بترتيلة الموت المستمرة. . . وكان لمنظره في ظلمة الليل صورة لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>