للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

توصف. .

وأقدم الناس، يسبقون الماء ليقيموا في وجهه السدود، ليقيدوا هذا النمر الهائج بحمية منقطعة النظير، وحماسة نادرة المثال. . . وأقدمت أخوض هذه اللجة من الناس، لأصل إلى هذه اللجة الطامية من الماء أمشي في ظلمتين: ظلمة هذا الحشد المزدحم. وظلمة الليل البهيم، أتعرض لرهبتين: رهبة الليل وسواده، والسيل واندفاعه. أصغي إلى لحنين: لحن الروع على ألسنة الناس، ولحن الهول على لسان النهر. . .

ولم أخش شيئاً. . .

إنها ساعة الخطر. . .

بوركت يا ساعة الخطر! أنت لحظة الإنسانية. أنت التي تورق فيك أغصان الحب، ويزهر فيك الإخلاص، ويعود الناس فيك إخواناً متحابين. قد خرجوا من أطماعهم ومات في نفوسهم الحسد والبغضاء وعاش فيها الحب والتضحية والإخلاص والوئام. .

تقدمت إلى الأمام ولكن لم أصل إلى شيء، لأن الناس كانوا يستبقون العمل، ويهرعون إلى الموت، كأن العمل غنيمة، والموت وليمة. . وكانوا يصرخون صراخ الحمية. ويهتفون باسم الوطن والمروءة والشجاعة. . ومرت على ذلك ساعة كاملة والصدع يتسع، والماء يزداد اندفاعاً، فكلت الأيادي النشيطة، وجمدت الصيحات والأناشيد على الشفاه، وخامر الناس اليأس. .

هنالك انتبهت فإذا أنا أسمع النشيد الذي ارتقبه واصبوا إليه، ليس نشيد الوطن والمروءة ولكنه أجل وأقوى، النشيد الذي له قوة السيل، وعظمة البحر، وبهاء الشمس، وصلادة الصخور. النشيد الذي لا يقوم له شيء، النشيد الذي كان أجدادنا يهتفون به، كلما حاقت بهم ضجة فيدكون به كل حصن ويكتسحون كل عدد، ويخلصون من كل خطر. النشيد الذي يحيل الجبان بطلاً، واليأس أملاً، والطفل رجلا. .

ذلك هو نشيد الرجال والنساء والأطفال بصوت واحد يجري على قرع الطبل، فيشق الليل، ويخشع له كل من يسمعه حتى النخيل والحقول، والسحاب والنجوم، وهذا النمر الثائر

الله أكبر - الله أكبر - لا إله إلا الله

الله أكبر - الله أكبر - ولله الحمد

<<  <  ج:
ص:  >  >>