وهذه العلة التي ذكرناها في تحريم لحم الخنزير قد علل بها تحريم لحم الكلب أيضاً، ولا يخفى أن الخنزير والكلب يتساويان في نظر الشارع من هذه الناحية. وقد صرح ابن حميد السالمي الفقيه الإباضي بهذه العلة في تحريم لحم الكلب فقال في باب أحكام صنوف الحيوانات من أرجوزته المسماة (جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام)
وما الكلابُ عندنا حلالُ ... ولا السَّنانير كما يقالُ
لأنها من السباع الضارية ... وبعضهم أحلها علانَيه
وهذه العلة أظهر في الخنزير من الكلب، لأنها تعتمد على وجود الناب الذي يحصل الافتراس به، وقد سبق أن الخنزير أقوى الحيوان ناباً، حتى إنه يتغلب بقوة نابه على الأسد وغيره
أما حكمة تحريم لحم السباع فحفظ الإنسان من صفاتها الوحشية المنافية لبقاء العمران، لأن غذاء الإنسان له تأثير كبير في صفاته وأخلاقه. وقد غالى بعض الشرائع فحرم لحم الحيوان مطلقاً لأنه يورث في نفوس البشر ما يورث من القسوة والغلظة. والشريعة الإسلامية تنظر إلى لحم الحيوان نظرة معتدلة، فتبيحه في اعتدال ولا تحرمه على أهلها. وقد روي أن من داوم على أكل اللحم أربعين يوماً قسا قلبه. وقيل في ذلك أيضاً (إنما أهلك الناس الأحمران النبيذ واللحم) وعن عمر رضي الله عنه قال: إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر وإن الله يكره أهل البيت اللحميين. ولعل الأيام المقبلة تظهر في تحريم لحم السباع حكماً أخرى غير هذه الحكمة.