للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولابد لنا من كلمة ندخل بها إلى هذا الموضوع؛ فنحن لا نرى الشباب الانسحاب من ميدان الكفاح السياسي، فالجيل الماضي قد أنهكته المعركة الكبرى، وهو الآن يقوم بآخر خدماته فيمهد العمل للجيل الناشئ إذ يتعهده برعايته، ويظلله بحمايته، حتى يشتد ساعده فيترك له الميدان. وطبيعي أن اتجاه الكفاح في ميدان الإصلاح الداخلي، وتعقد مرامي هذا الإصلاح وتشعبها يتطلب شباباً كامل الثقافة صادق العزيمة واسع التجربة، يتخذ موقف المدرس لا موقف المحمس؛ وسيحتاج إلى إقناع الجماهير بالحجة، لا إلى إغرائها بالعاطفة

وأما الاتجاه فميدان الإصلاح الداخلي واسع الجنبات، وحرية اندفاع المثل والكفايات فيه أكثر، وسيتلمس كل فريق الرأي الذي يراه أكثر إسراعاً في تعمير البلاد، فيلتفت الشباب بطبيعة الحال إلى الغرب يسترشد بتجاربه ويستضيء بنوره. وهنا نحذره من أن تغره مظاهر الأمور؛ وهنا نقرع له جرس الخطر، ونصيح به صيحة الحذر فإن أوربا الآن تعج بأفكار خلابة ودعوات أخاذة زادتها الدعاية المقصودة بريقاً وضجة، فعسى ألا يغره هذا البريق، فهذه الأفكار وليدة المحنة، محنة ما بعد الحرب؛ فأوربا الآن محمومة؛ وإذا كان لابد لنا من الاقتداء بها فلنميز بين أسباب الرقي الحقيقية وبين ما أنتجته هذه الحمى من أعراض وهذيان وفوضى. ونقول بصراحة أكثر: - إن في أوربا الآن تطاحناً ظاهراً بين القومية والماركسية، وقد اندفعت الأولى للفاشية. والثانية للشيوعية؛ ولكل منهما مظهرها المتطرف الذي لا ينفع هذه البلدان الناشئة

نحن لا يفيدنا الإكثار من قرع الطبول ولا حرب الطبقات، فقد كان كفاحنا في الماضي رزيناً قوياً فنجح لأنه أستمد قوته من طبيعة الأشياء، فقاوم العبودية التي يعافها الإنسان؛ ويجب أن يظل في دوره الجديد على هذه الصبغة الأصلية لينجح

ربما تبهرنا تلك المظاهر بضجة العمل وسرعة التنفيذ، وتظهر لنا إن العمل الإنشائي في العهد الجديد أبطأ مما تصورناه؛ فإيانا أن ننسب ذلك إلى عيب في نظمنا الأساسية، لأن أشر ما نعانيه هو من أثر التحكم الأجنبي وانشغال الأمة عن تلافي نواقصها ومداواة عيوبها

وهل يعنينا إلا أن يكون الصرح وإن تراخى الزمن في إنشائه متين البنيان يستطيع مقاومة الزعازع التي تنتاب البلدان الناشئة؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>