للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تستطيع أن تصف إرليش بما تحب إلا أنه مطبب عظيم، ولو أنه كان طبيباً فحسب إذن لحقت عليه الخيبة ولمات ذكره. . . . ولكنه لم يمت!

وصاح إرليش: (إن في اعتزامي أن أصبغ الحيوانات وهي حية، ولم لا وكيمياء أجسامها لا تختلف عن كيمياء أصباغي؟ وصبغها وهي حية قمين أن يكشف لي عن كل شيء فيها) وعلى هذا تناول صبغته الحبيبة، وهي أزرق المثلين وحقن قليلاً منها في وريد بأذن أرنب، وتتبع بعينه انسياح الصبغة الزرقاء في دم الأرنب وجسمه فوجدها تمر بكل جزء منه ثم تنقشع فلا يصطبغ بها شيء إلا أطراف الأعصاب الحية. فعند هذه الأطراف وحدها وقفت الصبغة وصبغتها دون سائر ما مرت عليه فكأنما تخيرتها تخيراً! ألا ما أغرب! ألا ما أعجب! ونسى علمه الأصيل برهة، وأغري بالمداواة وازدهته الطبابة لمحة، فقال في نفسه: (ألا من أدراني، فلعل هذه الصبغة الزرقاء تقتل الألم!) وما نطق بهذا حتى صدق نفسه وأخذ يحقن هذه الصبغة في المرضى وهم يتوجعون. ولعل آلامهم خفت بعض الشيء من جراء هذا، ولكنه ما لبث أن اعترضته في سبيل ذلك صعوبات لو تحكى ما خلت حكايتها من المتعة والفكاهة، فأجفل مرضاه من الصبغة؛ ومن ذا الذي يلومهم؟

خاب إذن إرليش فيما اعتزمه إيجاد دواء يقتل الآلام تواً، ولكنه اهتدى إلى تلك الحقيقة الغريبة عن أزرق المثلين: أنه يقع من أنسجة الجسم ومادته الحية على أشتات مئات مختلفات فلا يتعلق إلا بواحدة منها؛ ومن هذه الحقيقة ابتدع فكرة أشبه بالخيال قادته أخيراً إلى اختراع رصاصته المسحورة.

وتحدث في أحلامه قال: (هذه صبغة بين يدي لا تصبغ من أنسجة الحيوان جميعها إلا نسيجاً واحداً. وإذن فلابد من وجود صبغة لا تصبغ من أنسجة الإنسان شيئاً، ولكن مع هذا يكون من شأنها أن تصبغ المكروبات التي تعدو على الإنسان فتقتلها. وعاوده هذا الحلم خمس عشرة سنة أو تزيد قبل أن تتهيأ له الأمور لتجربة الفكرة التي تضمنها

وفي عام ١٨٩٠ عاد من مصر ولم يكن مات هناك من السل وحقنه كوخ بدوائه الفظيع المزعوم للسل رجاء شفائه، ولكنه لم يمت من هذا أيضاً. ولم يلبث أن بدأ العمل في معهد كوخ ببرلين في تلك الأيام العظمى التي كان فيها بارنج يقتل الخنازير الغينية في سبيل خلاص الأطفال من الدفتريا، وكان فيها كيتا ساتو الياباني يصنع العجاب بالفئران ذوات

<<  <  ج:
ص:  >  >>