للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكزاز الفكي. دخل إرليش هذا المعهد الذي أثقله الوقار وأناخت عليه الرزانة بكلكلها فكان روحه الحي وفيض حياة ثوارة فيه. وكان له معمل تدخله فلا تكاد تجد سبيلك فيه لشدة امتلائه ولتبعثر الأشياء فيه، تتألق فيه صفوف الزجاجات وتتلألأ وتزهو بالذي فيها من أصباغ كثيرة ضاق وقته عن استعمالها. ويدخل كوخ على تلميذه وهو في هذا الامتلاء وعلى هذا التبعثر ليرى ماذا يصنع، وكوخ ذو سلطان في معهده كسلطان قيصر في دولته. وما كان كوخ يرى في أحلام إرليش عن رصاصته المسحورة إلا أنها بعض أحلام خرفة. أقول يدخل كوخ على إرليش في معمله فيقول: (أي عزيزي إرليش خبرني ما الذي خبرتك به تجارب اليوم). فيأتي الرد من إرليش متدفقاً مضطرباً يفسر هذا ويوضح ذلك في غزارة وتلاحق كأنه عين ماءٍ ثرة تدفعت أمواهها ساخنة إلى السماء. وذات مرة كان إرليش يبحث في الحصانة التي تأتي الفئران ضد السم الكائن في حبوب الششم والخروع إذا هي تعاطته، فلما دخل عليه كوخ فسأله في ذلك تدفع يقول: (إني أستطيع أن أقدر بالضبط مقدار السم الذي يقتل في ثمان وأربعين ساعة فأراً زنته عشرة جرامات. فهذا المقدار دائماً واحد. . . والآن أستطيع أن أخط خطاً بيانياً يرينا كيف تزيد الحصانة في الفأر - إنها تجربة تضارع في دقتها تجارب علم الفيزياء. . . . أملق سيدي سمعك إلي؟ ووجدت أيضاً كيف يقتل السم الفئران. إنه يجبن كرات الدم في شرايينها، وهذا كل تفسيرها. . .) وهو في أثناء ذلك يلوح بأنابيبه الزجاجية وقد امتلأت بدم الفئران المنجمد القاني في وجه رئيسه العظيم مؤكداً له أن مقدار السم الذي جبن هذا الدم هو عينه الذي يكفي لقتل الفأر الذي جاء هذا الدم منه. ولا يلبث كوخ أن يجد نفسه بين أرقام وتجارب تنصب عليه انصباباً فلا يكاد يلاحقها. ثم إذا هو يقول لإرليش

(ولكن مهلاً يا عزيزي إرليش، فإني أكاد أجاريك. أرجوك أن تزيد تفسيرك وضوحاً). فيجيب: (على العين والرأس يا سيدي الدكتور فأنا أعطيك المزيد من ذلك فوراً) ولا ينقطع كلامه برهة، بل هو يختطف قطعة من الطباشير ويرجع على ركبتيه ويخط على أرض المعمل أشكالاً هائلة توضح آراءه. ثم ينظر إلى كوخ فيقول: (والآن يا سيدي أفهمت ما عنيت؟ أواضح تفسيري لك الآن؟)

(يتبع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>