السدود والقيود إلى أن خرج منه، ففي باب (الليلة الأولى في السجن) وكذا في باب (أحمد حمزة) من الدعابات ما لا يستطيع معها القارئ أن يمسك عن الانفجار ضحكاً وقهقهة كأنه أراد أن يزيل عن القارئ بعض ما يسيطر عليه من الجد وهو يقرأ، أو كأنه أراد أن يستحث القارئ فيدفعه إلى آخر صفحة من الصفحات، أو كأنه نسى بعض ما قاسى في السجن وهو يكتب. .!
وقد يجول بالخاطر أن الإجرام ينزع عن الإنسان إنسانيته فيبدو حيواناً مفترساً يفر منه الناس، خوف التعدي وخشية الضرر، غير إننا نرى في الكتاب براهين وأدلة تأتي على هذه الخاطرة من أساسها، نراها في الصفحات (٧٣ - ٨٠) وفي صفحة ١٩٧. . . وقد تدفع الضرورات رجلاً دمثاً إلى اقتراف جرم محظور، فيكشف ويناله الجزاء، إلا أنه لا يندر أن يظل بعدد ذلك رجلاً دمثاً كما كان. . .
وإذا كان (السجن إصلاح وتهذيب) كما يقولون؛ فلم لا نرى أثر ذلك في سجوننا لما ينال السجين من ظلم وإعنات وتحقير ومهانة واستصغار. وإذا كانت هذه الشدة تفيد في قليل من الحالات فما لا ريب فيه أنها تبذر الحنق والضغينة والحفيظة في نفس السجين إن كان دمثاً، وتغرس فيه الثورة والجموح إن كان شريراً. ولقد أشار المؤلف إلى نظام السجون الأوربية لنرى ما بيننا وبينهم من بون شاسع في هذه الناحية، وإن كان بعض الأمم قد جاوز الحد فيما خولوا السجين من حرية وتسلية. ولقد هفت بي نفسي نحو سجون موسكو - وأنا أقرأ بعض ما كتبه جيمس برفن ستيوارت ص٢١٠ إلى ص٢١٤ - لأستمتع بما يستمتعون به بعيداً عن عناء العمل، وعناء الأمل، وعناء الفكر، إلا أنني - واستميح الأستاذ عذراً - لا أستطيع أن أعمل ثماني ساعات كل يوم تتخلها ساعة واحدة للطعام. . .
ولقد رأيت في الكتاب هدوء من يقص قصة لا تضطرب حوادثها في نفسه، ولا تلمس مفاجآتها قلبه، فعجبت - بادئ ذي بدء - غير أني عدت إلى نفسي فقلت: لعله النسيان قد محا كثيراً من الذكرى، أو لعله الاطمئنان إلى كل ما يجيء به القدر، أو لعله الإيمان بالتضحية، أو لعلها حكمة الشيوخ ورزانتهم لا تعبأ. .
هذه كلمة إن لم يكن فيها الاستقصاء ففيها التعريف بالكتاب وليس بالمؤلف.