فأما الموسيقى والنشوز والخبط والزعيق فمحال أن يجتمع هواها في أذن واحدة في لحظة واحدة؛ وأما الذي يجتمع مع النشوز والخبط والزعيق فهو تخبط الجسد المحموم بحمى البهيمية لا تمييز فيه ولا ذوق ولا خيال
علم الله ما أصغيت إلى جمع من هؤلاء الناعقين الناهقين ولا توسمت ما يزهون به من (حساسة) وظرافة إلا تلمست في يدي موضع السوط ألهب به تلك (الحساسة) وأطير به تلك (الظرافة) وأثبت لهم بالسوط وحده - ولا إثبات بغيره لأمثال هؤلاء - أنهم بلداء بلداء بلداء، وإنهم يغثون النفوس من فرط كونهم بلداء غارقين في بلادة لا تفيق
لا يا أساة الشرق الحزين والمشفقين عليه!
داووه من نقص الإحساس لا من فرط الإحساس؛ وداووه من ضنانة الخيال لا من سرف الخيال
وعلموه أن يحس تعلموه أن يريد؛ ومتى تعلم أن يريد فلا حاجة وراء ذلك إلى تعليم
ولقد يسأل السائل من جديد: ومن لنا أن نثبت فيه الحس المأمول؟ وجواب ذلك سهل في التعبير، ولا أزعم أنه سهل في الإنجاز والتحقيق
جواب ذلك أن الحس لا يخلق خلقاً ولكنه يتعهد بالحث والإيقاظ إن أصابه جمود ورانت عليه ثقلة الكسل والجثوم
وليس أنجع في الحث والإيقاظ من تصحيح الأجسام وتصحيح الأذواق: تصحيح الأجسام بالرياضة الصالحة القوية، وتصحيح الأذواق بالفنون الجميلة الرفيعة؛ ومن صح جسده وحسن ذوقه فلن يفوته الشعور بما حوله؛ ومن شعر بما حوله فماذا يبقى له إلا أن ينشط ويعمل، وإلا أن يريد وينجز ما يريد؟