فقالت صاحبتي:(يا شيخ حرام عليك!. . اتق الله!. . لا تصدقيه)
فتلفتت الصغيرة منها إليَّ، ثم قالت بعد تردد:(هل كان شاعراً؟)
قلت:(لا. . لم يكن شاعراً. . وإنما كان يغني في الحمام فيخرج الكلام موزوناً وهو لا يدرى. . ولكن الناس لا يتركون أحداً مرتاحاً. . ويظهر أن بعضهم كان يسترق السمع وراء باب الحمام، ويقيد كل ما يسمعه من ابن الرومي وهو يغني نفسه ويتسلى في الحمام. ثم جمع كل ما سمعه، ودفعه إلى الناس وقال هذا شعر ابن الرومي.، الناس ملاعين. . أشقياء. . لا يدعون أحداً مرتاحاً. . الرجل كان يسلي نفسه في الحمام فمالهم هم؟. . إيه!. . هكذا الناس يحشرون أنفسهم فيما لا يعنيهم. . فضول ورزالة. . نهايته. . وكان مما يغني به وهو ينظر في المرآة إلى لحيته، ويمشط شعراتها القليلة ويفتل أطرافها لتكون كالقلم الرصاص المبري هذا البيت:
أصبحت شيخاً له سَمْتٌ وأبهة ... يدعونني الغيد عماً - تارة - وأبا
كان يتحسر على شبابه، ويأسف لأنه صار ذا لحية. . ويظهر أن الغيد الحسان من أمثالكن يغلطن فتارة يقلن له يا عمي، وطوراً يقلن له يا أبي. . غريب ألا يعرفن أهو أب لهن أم عم؟. . ولكنك أنت لا تغلطين. . أنا عمك فقط. . متأكدة أني لست أباك أحياناً؟)
فقالت صاحبتي:(أعوذ بالله منك!)
وقالت الصغيرة:(متأكدة جداً. . عمي بالطبع. كيف يمكن أن تكون أبي؟)
قلت:(معقول ألا تغلطي. . لسببين: الأول أني لا أرسل لحيتي كما كان ابن الرومي مضطراً أن يفعل لأن الله خلق السيفتي ريزور في زماني والحمد له، أعني لله، بالطبع، لا للموسى؛ والثاني أن أباك المحترم مقبل علينا يتهادى في مشيته. . أحسبه يفخر بأن له بنتاً مثلك. . له الحق!)
وجاء الأخ الفاضل وقمت بواجب التعريف الذي لا مهرب منه، واتضح لي - بعد أن تجشمت عناء القيام بهذا الواجب أنه كان يسعني أن أريح نفسي، فقد سبق لأخي أن عرف صاحبتي في بيتنا.
وجلسوا. وجلست وأنا أتنهد وأنظر إلى صاحبتي وأقول:
(معذرة. ليس هذا ذنبي. وأنت ذكية، وتستطيعين أن تدركي بسهولة أنه لا مهرب من