ألا ترى أن الكُرُنب وهو نبت قليل الخطر، حقير الجوهر، قد سما على سائر النبات، وشمخ بأنفه، ومال بأعطافه؛ وليس له من فضيلة يُدِلّ بها سوى أنه يتألف من ثياب بعضها فوق بعض، فإذا نزعت عنه ثيابه لم تجده شيئاً.
ومثل هذا يقال في الخس والجرجير، وهما الغذاء الأساسي لكبار الكتاب والشعراء. . .
صدقني، أيها العميد! إن الثياب والألقاب هي كل شيء في الحياة.
والآن لابد لك - إن كنت ترعى للمودة حرمة، وتستجيب لداعي الإخاء والصداقة - أن تُفْتِيني كيف أرتب الأبواب لهذه الأسفار التي أريد أن أتقدم بها إلى رجال العلم، إن كنت حقاً لا يشق لك غبار في تبويب الرسائل والأسفار.
فأما الرسالة الأولى فهي (في صيد الضفادع: كيف يكون ومتى يكون) فقد حرْت كيف أبوّب هذه الرسالة. هل يكون الباب الأول منها في الضفادع أم في الصيد. . وقد تراءى لي أن أتحدث عن هذه الكائنات العزيزة؟ هل هي من حيوان البر أم من حيوان الماء؟ وهل نقيقها خارج من الحنجرة والبلعوم أم من الحلق والخياشيم؟ وهل هي أسرع حين تسبح في الماء، أو حين تثب على أديم الغبراء؟ وهل غذاؤها الطحلب الحامض أم الحلو؟ والعشب اليابس أم الطري؟ وهل أرجلها أطيب في المأكل أم أيديها؟ وهل يُمَهَّدُ لصيدها بأناشيد وأغانٍ غربيَّة على طريقة شوبرت، أم بأناشيد شرقية مثل نغمات معبد في الثقيل الأول على مدار البنصر؟ وهل تستطيع ضفدعة أن تسبح في الماء إذا استلقت على ظهرها من شدة الضحك مثلا؟ فإن كانت عاجزة عن السباحة وهي في هذه الحال. جاز لنا أن نفكر جدياً في صيدها وهي تضحك حين نتلو عليها رسالة للجاحظ، أو قطعة لموليير.
كذلك يجب أن تفهمني في أي بابٍ أضع ما كان بين الضفادع ومسيلمة الكذاب، وهل انخدعت بأكاذيبه كما ينخدع الناس بأحاديث الكذابين في كل مكان وزمن. ومتى كانت الضفادع ممن يؤخذ بالأكاذيب؟ فهل يجوز استخدام هذه الحيلة في صيدهن والاستيلاء عليهن؛ أم تلك خدعة لا تليق بالصياد الشريف والباحث العفيف؟
فهلم يا مُبَوِّبَ الكتب! ضع أبوابا ونوافذ ودهاليز لهذه الرسالة ولا تبطئ علي فإني مستعجل.
أما الرسالة الثانية فموضوعها (تعليم الجراد مبادئ الفلسفة) فقد أنبأنا عالم فاضل أن هذه