خير وسيلة لتحويل الجراد عن حياة النهب والسلب، إلى حياة الشرف والاستقامة. . وتحولُ عقبات كثيرة دون تثقيف الجراد بهذه الثقافة الفلسفية المنشودة، ذلك أن الجراد لا يستقر لحظة في مكان، فلا تكاد تتحدث إليه عن أفلاطون وتأخذ في شرح القواعد التي تقوم عليها جمهوريته، حتى تستهويه سنبلةُ قمح أو كوز من الذرة، فيتركك في فلسفتك العلوية وينطلق إلى عالمه السفلي. ولقد تظن أنه سيقف على كوز الذرة زمناً طويلاً يمكِّنك من أن تشرح له كتاب الأخلاق لأرسطو، لكنك لا تكاد تفرغ من الفقرة الأولى من الفصل الأول حتى يكون المجرم قد سئم الكوز الأول، ووثب يلتمس كوزا سواه.
غير أن العالِم الجرادي الألماني ميلر قام بعدة تجارب تدل على أن في الجراد ميلا إلى فلسفة ماكيافلي ونيتشه، ولابد من أن نفرد باباً خاصاً لتحقيق هذا الأمر.
وهناك عقبة أخرى تجعل من الصعب إدخال الفلسفة في رأس الجراد، ذلك أنني قد كشفت في ساعة من ساعات الإلهام أن الجراد لا يفهم بعقله، بل بفمه وبطنه. فهل الفلسفة من المواد التي يمكن استيعابها عن طريق البطن والمعدة؟ هذا أيضا باب مهم أرجو أن تفتيني في أي جزء من الكتاب أجعله، وأي الأقسام تليق به ويليق بها، ولابد كذلك من بحث عميق في عادة النهب والسلب عند الجراد: هل ترجع إلى البيئة، أو ترجع إلى الوراثة والغريزة؟ فإن كانت أصيلة في النفس، مغروسة في الطبع، فبأي الوسائل نحتال إلى إدخال الفلسفة في نفوس طبعت على الانتهاب والاختطاف؟
هلم أيها العميد وشمر عن ساعد التبويب، ولا تدعني في حيرتي طويلا!
أما الرسالة الثالثة فهي:(في استخراج أشعة الشمس من قشر الخيار). وهذا موضوع قد أشار إليه الأستاذ (سويفت) ولكنه قصر في متابعته واستقصائه. وفي نظري قد آن لهذا الموضوع أن يقتل بحثا وتمحيصا، حتى لو استنفدنا في سبيل ذلك كل ما في الأرض من خِيارٍ وِقثّاء.
إن أشعة الشمس ضرورية للإنسان والحيوان على السواء؛ فقد حدثنا من نثق بعلمه أن القليل منها إذا أخذ في فنجال على الريق كل صباح يشفي من الأمراض، ويحدث في البليد ذكاء وفي الغبيِّ فَهْما؛ وناهيك بما في هذا من فائدة في زمان ضعفت فيه الأحلام، وصغرت فيه الأفهام. ولئن اعترض معترض بأن هذا الموضوع لا يهمنا لأن بلادنا غنية بأشعتها،