فاجلُ يا ذا الروح قاتمي، وارفع وطئ دعائمي،
عَليّ بهذا المقال الجليل أبلغ شأواً،
فأكون (للحكمة السرمدية) ترجماناً
ولرحمة الله بالإنسان برهاناً.
ألا حدثينا - فليست تخفى الجنة عنك شيئاً، كلا، ولا مهوى الجحيم السحيق - حدثينا
عن أبوينا الأوًّلين: ماذا دعاهما، إذ هما يرفلان في ذاك النعيم،
وإذ هما عند الله أقرب المقربين، ماذا دعاهما
أن يهجرا (الباري) فيهويا؟ وأن يعصيا مشيئة الله
لمحظور واحد، لولاه لسيطرا على العالمين؟
من ذا أغواهما بديّاً بذاك العقوق الذميم؟
إنه (الأرقم) الرجيم ثارت غيلته
حقداً ووتراً، فمكر بأم البشر
حين ألقاه الغرور من الفردوس طريداً،
وفي أعقابه عصبة الملائكة الثائرين.
فتطاول أن يَفْضُل في السلطان سائر الأخدان
وطمع بعونهم أن يضارع (العلي العظيم)
أن عصاه؛ ثم دعاه الأمل الطامع في العرش والملكوت أن يثير في الجنة حرياً وقودها
الغرور والفجور
فخاب الرجاء؛ إذ طوح به الله ذو الجبروت
فهوى من علياء السماء يتقد لهيباً،
يروع القلب منه ما احترق وما انحطم؛
وتردى في هاوية ما لها من قرار، بها يأوي
مغلولا بصم السلاسل يصطلي النار جزاء
بما حدثته النفس أن يناجز (القوي القدير)
وفي قرارٍ مهواه تسع فضاوات