إن ما يؤلمني هو أن العقاب والثواب قد دسا دساً في غاية كل أمر، بل حشرا حشراً في أعماق نفوسهم، أيها الفضلاء. ولكن لكلمتي أن تشق أعماق هذه النفوس ذاهبة فيها كقرن الوعل وكالسكة تشق الأرض لتحرثها. فلتتكشف نفوسكم عن خفاياها أمام النور، لأن الحقيقة لن تنفصل عن الضلال فيكم حتى تنطرحوا عراة تحت شعاع الشمس. ذلك لأن حقيقة ذاتكم إنما هي أطهر من أن تسمح بتدنسكم بكلمات الانتقام والعقاب والمكافأة والمقابلة بالمثل.
إنكم تحبون فضيلتكم كما تحب الأم طفلها، وهل سمعتم أن أما طلبت مكافأة على عطف الأمومة فيها؟
هل فضيلتكم إلا ذاتكم نفسها وهي أعز ما لكم؛ وما أمنيتكم إلا أمنية الحلقة التي لا تلتوي وتستدير إلا ليصبح أخرها أولا لها.
إن كل عمل ينشأ عن فضيلتكم إنما هو بمثابة نور كوكب يعروه الانطفاء، فما يزال نوره يخترق مجراه في الأفلاك، وليس من حد ينتهي سيره إليه. وهكذا لن تزال أشعة فضيلتكم سائرة في سبيلها حتى بعد انتهاء عملها وتواريه في عالم النسيان، لأن إشعاع الفضيلة مستمر لا يعروه زوال.
لتكن فضيلتكم تعبيراً عن ذاتكم وما تلك غريبة عن هذه فلا تحسبوا أنها جلد ورداء.
هذه هي حقيقة روحكم الكامنة، أيها العقلاء. ولكن من الناس من يخيل له أن الفضيلة عبارة عن تشنج تحت السياط الجالدة، ولطالما سمعتم صياح هؤلاء الواهمين.
ومن الناس من يرى الفضيلة في الكسل والرزيلة، وما بنتبه عدلهم إلا عند ما يتثاءب حقدهم وحسدهم؛ عندئذ يفركون أجفانهم وقد أثقلها النعاس.
من الناس من تشدهّم شياطينهم إلى أسفل فكلما تدهورا على الدركات زادت أحداقهم توهجاً وتزايد شوقهم إلى ربهم. إن صوت هؤلاء المتدهورين يبلغ آذانكم.
أيها الفضلاء وهم يصيحون: - إن كل ما هو خارج عن كياني إنما هو الله وإنما هو الفضيلة.
وهنالك آخرون يتقدمون مثقلين مقرقعين كأنهم عجلات تحمل صخوراً إلى الوادي، وهؤلاء الناس لا ينون يتكلمون عن الفضيلة، وما الفضيلة في عرفهم إلاّ عبارة عن كابح عجلاتهم.