وهنالك قوم أشبه بالساعات يربط زنبركها فتسمعك تكتكتها وهم يريدون أن تدعى حركتهم الآلية فضيلة. إنني ألهو بمشاهدة مثل هذه الساعات لأنني ما صادفتها مرة إلا ربطت زنبركها بتهكمي وأكرهتها على تحريك رقاصها.
وهنالك المغترون بذرة من العدل ترتفع فيهم على جبل من الدعوى فتراهم يجدفون على كل شيء إلى أن يغرقوا العالم بظلمهم؛ وما تخرج كلمة الفضيلة من أفواه هؤلاء الناس إلا وتحسب أنهم يتجشأونها، وإذا قال أحدهم: - لقد عدلت، فكأنه يقول: - انتقمت.
هؤلاء من يريدون أن يفقئوا أعين أعدائهم بفضيلتهم وما يطلبون من الاعتلاء إلا إسقاط سائر الناس.
وهنالك أيضاً من يدب إليهم الفساد كأنهم ماء آسن في المستنقعات، يختفون بين المناصب منادين بالفضيلة كأنها جمود في المستنقعات. فهؤلاء الناس يعلنون أنهم لا ينهشون أحداً ويتحاشون الالتقاء بالناهشين، فإذا عرض عليهم أي رأي أخذوا به تفادياً لكل أخذ ورد.
وهنالك عشاق الحركات المعتقدون بأن الفضيلة نوع من الأيمان فتراهم في كل حين جاثين على ركبهم وقد قبضت إحدى راحتيهما على الأخرى تمجيداً للفضيلة وما يدرك قلبهم منها شيئاً.
وهنالك من يرون الفضيلة في القول بلزوم الفضيلة وهم لا يعتقدون إلا بلزوم ردع الشر بالقوة.
وبعض من امتنع عليهم أدرك ما في الإنسان من صفات عليا لا يذكرون الفضيلة إلا عند ما يحدقون بما فيه من دنايا وهكذا لا تنشأ فضيلة هؤلاء القوم إلا من عيوب عيونهم.
من الناس من يطلب المعرفة وتقويم ما التوى فيه فيدعو هذه النزعة فضيلة؛ ومنهم من يطلب قلب كيانه رأساً على عقب فيدعو هذه الرغبة فضيلة أيضاً، وهكذا ترى الجميع يعتقدون بوجود الفضيلة في ناحية من نواحي كيانهم وتراهم يتجهون إلى معرفة ما فيهم من خير وشر. غير أن زارا قد جاء إلى جميع هؤلاء المخادعين وإلى جميع هؤلاء المجانين ليقول لهم إنهم لا يعرفون عن الفضيلة شيئاً وإن ليس في وسعهم أن يعرفوها.
ما أتى زارا إلا ليشعركم بأنكم تعبتم من تكرار الأقوال القديمة التي علمكم إياها المخادعون والمجانين، فينفركم من كلمات المكافأة والمقابلة بالمثل والعقاب والانتقام في العدل ولتقلعوا