فهلا ترون أن يكون شباننا كشبان إنجلترا لا يسمعون بالسياسة إلا بعد أن يقطعوا أكثر مراحل الحياة وتمرسوا بكل عمل من أعمال الأمة؟ إن الموضوع في نظري يحتاج إلى إثارة المناقشة ومعاودة البحث فلعلي أكون المخطئ، ولعلي أكون المصيب. . .
العباسية
محمد زهدي ناصر
ربما كان رأي الكاتب الفاضل يستقيم إذا كانت مصر كإنجلترا في شدة بنيانها وثبات دعائمها وقوة مجتمعها ونضوج أحزابها واطراد سياستها، ولكننا نعيش في شعب ناشئ لا يزال يصارع أطماع القوة من الخارج، وعوامل الضعف من الداخل؛ ومادامت القلوب خانعة والنفوس قانعة والطرق وعرة والأحداث راصدة، فإن العمل السياسي أو التوجيه القومي يبقى أول الواجبات وأنبل الأعمال على الشباب. أن الشاب هو أجلد على انتجاع الطريق المخوف، واكتشاف الموضع المجهول، ومواجهة العدو الكامن، وإيقاظ الشعور الخامد؛ ولا يهمه أن يحترق وهو يضيء، ويغتال وهو يهدي، ويسقط وهو يدافع. ولا ريب أن الشيوخ أنضج رأيا وأنفذ بصيرة وأوسع ثقافة ولكن الشباب هم الأيدي التي تنفذ، والروح التي تنشط، والأجنحة التي تطير، على أن السياسة التي نريدها للشبان أوسع وأشمل مما يتصوره الكاتب الفاضل؛ فالسياسة دعوة وتدبير وقيادة، وقوى البلد المادية والأدبية معطلة من طول الإغفاء والترك؛ والإحساس الشاب هو وحده الذي يستطيع أن يحرك في طبقات الشعب هذا الجمود المزمن بالدعوة الصارخة، والإرشاد الصالح، والقدوة الحسنة، إن السياسة هي فتوة العصر الحديث في الأمم الحديثة؛ وإن الأمم الأوربية التي أضعفها انحلال الخلق، أو فتكت بها أدواء الحرب، لا يجدد الآن ما رث منها ولا يحيى ما مات فيها إلا الشباب
قد يكون صحيحاً أن الشباب لو انصرف إلى الاختصاص في العلم لجاء بأعظم المخترعات ودون خير المؤلفات؛ ولو كتب في الأدب لخلد اسمه بين أعلامه؛ ولو مارس الفن لتألق نجمه في سمائه، ولكن أي علم يفيد أكثر من هذا الذي تنير به للشعوب المغلوبة طريقها إلى الحرية والمجد؟ وأية قصة تكتبها أروع من هذه التي تكون أنت أحد أبطالها؟ وأية