الآن، فقد تعلمها منذ عهد بعيد؛ فهو أن كان ناهبا سالبا ومغيراً محاربا فقد أخذ ذلك عن الإنسان. وهل زاد الإنسان على أنه حيوان قوام حياته السلب والنهب والحرب؟ وهو إن كان خفيفا سريعا متنقلا لا يستقر على حال من القلق فقد أخذ ذلك عن الإنسان. وما أظن أنك تستطيع أن تلقى جرادة تجهل قول الشاعر القديم:
تنقل فلذات الهوى في التنقل
وهو إن كان مفتنا في الخفة والتنقل فقد أخذ هذا الافتنان عن الإنسان، لأنه يراقب الحضارة وتطورها، ويراقب المبادئ وتلونها، ويراقب اضطراب الناس في آرائهم وأهوائهم ومذاهبهم ومبادئهم، ويراقب الضمائر التي تباع، والعقول التي تمتهن، والحريات التي تزدرى، والأصول التي تتخذ تجارة ووسيلة إلى الربح وتحقيق المنافع الدنيئة. وقد هم الجراد أن يقلد الإنسان في هذا فأدركته بقية من عقله أو من بطنه الذي تستقر فيه الفلسفة وامتنعت به عن أن ينحط إلى هذه القرارة الحقيرة الموبوءة التي انحط إليها الإنسان الحديث، فظل حيث هو يغير كريما ليأكل من ثمرات الأرض ما يستطيع أن يصل إليه، ويعود كريما أن استطاع العودة أو يموت كريما بما يسلط عليه الإنسان من ألوان البأس وضروب الفناء. وأنت حين تصل إلى هذه النتيجة بين اثنتين: فإن كنت من أنصار الفساد وعشاق الانحطاط الذين يرون أن الإنسان قد وصل في هذا العصر إلى أرقى أطوار الحضارة فاستأنف العمل لتبحث عن طريق تهدي بها الجراد إلى تقليد الإنسان في الانحدار إلى هذه القرارة، وإن كنت من المحافظين الذين يكرهون التطور الحديث ويمقتون نتائجه فادع الإنسان إلى أن يتعلم فلسفة الجراد وضع في هذا كتابا اسمه:(التبيان عن تجرد الإنسان) والتجرد هنا مشتق بالطبع من الجراد. وتقبل أيها الصديق العزيز المجهول اخلص تحياتي