حرف من هذه الأحرف سيحتاج إلى فصل مطول جدا وستجد في كتاب المغني لابن هشام ما يعينك على تحرير هذه الفصول. ولا تخف من هذه الإطالة فإنها هي التي ستنفعك وتروج كتابك عند أصدقائنا الأزهريين. ثم إذا أردت أن يروج كتابك عند الجامعيين وفي كلية الأدب خاصة فاحسن عنايتك بالباب الرابع وهو باب الفلسفة وهو اللب الأول للكتاب، لأن الأبواب التي سبقت كانت قشوراً ولكنها كانت قشورا لابد منها، فكل لب محتاج إلى قشر وإلا لما كان لبا. فابحث الآن عن الفلسفة وعن أصل لفظها وأحذر أن تقول إنه يوناني فقد يكون هذا مطابقاً للحق، ولكن الحق في هذه الأيام لا يغني عن البدع شيئا. والبدع في هذه الأيام إن تخرج الأشياء عن أصولها وتوضع في غير مواضعها وترد إلى غير مصادرها. والظاهر أن كلمة الفلسفة ترجع إلى أصل سأمي عربي، وما أشك في أنك ستجد في شعر قضاعة بيتا يثبت لك وللناس جميعا أن العرب قد عرفوا الفلسفة واستعملوا لفظها قبل أن يولد سقراط. ولابد أن تعرض معاني الفلسفة ومذاهب الفلاسفة في العصور المختلفة وتبحث عن أيها أدنى إلى الجراد، إلى عقله إن كنت من أنصار العقل، وإلى بطنه إن كنت من أنصار البطون. فإذا فرغت من هذا البحث الهائل المخيف وصلت إلى الباب الأخير الذي هو نتيجة النتائج وجوهر الجواهر وأصل الأصول وفصل الفصول وخلاصة الكتاب ولب الألباب وهو باب الجراد الذي وجه إليه الإرشاد.
وهذا الباب معقد بطبعه فلابد من أن تبحث عن لفظ الجراد من أين جاء والى أين انتهى، ولابد من أن تبحث عن منزلة الجراد بين أنواع الحيوان، ولابد من أن تبحث عن محاسنه وعيوبه، ثم لا بد من أن تبحث عن عقله وما يكونه من الملكات وعن بطنه وما يمتاز به من الخصال في الاستيعاب والهضم وتصريف العلم والفلسفة إلى أجزاء الجسم وأطرافه والوصول آخر الأمر إلى أن يسير الجراد سيرة فلسفية صالحة. فإذاوصلت إلى هذا الموضع من كتابك وخيل إليك أنك قد انتهيت به إلى غايته وأفدت العلم فائدة محققة تمكنك من نيل الدكتوراه من كلية الآداب فعد إلى منهج ديكارت وألغ هذا الذي كتبته كله إلغاء، وافترض انك لم تكتب شيئا ولم تعلم شيئا واستأنف التحدث من جديد فسترى أنك قد أضعت وقتك في غير نفع، وأنفقت جهدك في غير طائل، واستهلكت راحتك وورقك وحبرك وأقلامك في غير غناء، لأن الجراد ليس في حاجة إلى أن يتعلم الفلسفة الإنسانية