وقلما يتغير الأدب، ولاسيما حين يمتاز بالإطالة والاطراد. ونحن في كلية الآداب لا نبدأ دروس الأدب حتى نعلم الشبان علما كثيراً عن لفظ الأدب ومعانيه، فسر سيرتنا ولا بأس عليك. وإذا فرغت من هذه الأبحاث القيمة التي لا تتصل ولا يجب أن تتصل بالموضوع، فخذ بعد ذلك في بحث يكون صلة بينها وبين الموضوع وهو إضافة الكتاب إلى الإرشاد والصلة بينه وبين الجراد. وكيف تختلف الكتب باختلاف أصناف الناس، وكيف تختلف الكتب باختلاف أنواع الحيوان، لا من جهة موضعها وأسلوبها فحسب، بل من جهة أحجامها وقطعها أيضاً ومن جهة مادتها التي تطبع وتذاع فيها، ومن جهة الخط والحروف التي تستخدم في هذا الطبع؛ فأنواع الطبع تختلف باختلاف القراء في القدرة والذوق، وكذلك الأحجام، وكذلك مادة الورق والغلاف؛ ويجب أن يطرد هذا بالقياس إلى الحيوان وبالقياس إلى الجراد خاصة، وواضح جدا أن هذا سيذهب بك في ألوان من البحث الطريف الذي لم تسبق إليه؛ فإذافسرت آراءك ببعض الصور فثق بأنك ستحدث في عالم التأليف حدثا عظيما، وثق بأنك ستفتح للجنة الترجمة والتأليف والنشر أبوابا لن تتردد في ولوجها ولكنها لن تعرف كيف تخرج منها.
ثم دع هذا الباب إلى الباب الثاني واجعل عنوانه الإرشاد واسلك في هذا الباب مسلكك في الباب الاول، فاخضع لفظ الإرشاد ومعانيه لكل هذه التجارب التي أخضعت لها لفظ الكتاب ومعانيه، ثم ابحث عن إرشاد الجراد كيف يكون فاعقد فصلا تصور فيه مذهب الذين يرون أن الجراد يفهم بالعقل وبين كيف يكون إرشاده على هذا النحو، واعقد فصلا آخر تصور فيه رأي المحدثين الذي يرون أن الجراد يفهم بالفم والبطن وبين فيه كيف يكون إرشاد الجراد من طريق الأفواه والبطون. والناس كما تعلم يختلفون في هذا الموضوع، ومنهم من يرى أن تكتب أصول الفلسفة على أوراق الأشجار والنجوم والزرع التي يحبها الجراد ويميل إلى أكلها ويقولون أن الجراد إذا أكل هذه الأوراق المفلسفة فهم العلم ووعى الحكمة واصبح فيلسوفا بإذن الله.
ثم اجعل الكلمة الثالثة عنوانا للباب الثالث وهي إلى. ولابد من أن تبحث عن السبب في أن الإرشاد يتعدى بالى ولا يتعدى بغيرها من حروف الجر؛ ولم لا يقال كتاب الإرشاد لفلسفة أو بفلسفة أو في فلسفة أو من فلسفة أو عن فلسفة أو على فلسفة الجراد. وواضح أن كل