الفلسفة، وإذن فقد يقال أن في هذه الكلمة مجازا مرسلا لأن المؤلف أراد فلسفة الجراد باعتبار ما سيكون، لأن الجراد إذا قرأ كتابك أن شاء الله تهذب وتأدب وصارت له فلسفة. ولكن ليس هذا هو الذي أراده المؤلف، فقد يكون أراد شيئا آخر، وهو أن للجراد الآن فلسفة جرادية يراد أن يعدل عنها إلى الفلسفة الإنسانية. وقد يكون المؤلف أراد بالفلسفة المصدر أي جعل الجراد فيلسوفا يقال فلسفت الشيء جعلته فلسفيا، وفلسفت الإنسان جعلته من أصحاب الفلسفة، وفلسفت الجراد جعلته مفلسفا. ولا تبحث عن هذه الكلمة في المعاجم العربية القديمة، فقد لا تظفر في هذه المعاجم بشيء، ولكن ابحث عن هذه الكلمة عند الفلاسفة في كلية الآداب فهم الذين يلائمون بين القديم والجديد، وهم الذين يرجع إليهم في مثل هذه المشكلات.
أرأيت أن كلمة واحدة من هذا العنوان قد أثارت كل هذه الأبحاث التي أومأت إليها إيماء، فكيف بكلماته الأخرى إذا لوحظت مفرقة وإذا لوحظت مجموعة. والشيء الذي ليس فيه شك هو أن هذا العنوان سيضمن لك شيئين: الأول انه إعلان سيعجب القراء ويروقهم، بل سيبهرهم ويروعهم، وسيدعوهم إلى شراء الكتاب والترويج له عند الأصحاب والأصدقاء. ولعله يروق في وزارة المعارف وأنت أعلم بما وراء ذلك من المنافع التي لا تحصى. والشيء الثاني أن هذا العنوان سيرسم لك برنامج الكتاب ويمكنك من تبويبه في غير مشقة ولا عسر. ولا تكلف نفسك تروية ولا تفكيراً، ولكن خذ كلمات هذا العنوان واجعل منها عنوانات لأبحاثك فسترى أن كتابك قد بوب بإذن الله. فليكن موضع الباب الأول إذن هو البحث عن كلمة الكتاب مما اشتقت، ومن أين أخذت، وما معانيها المختلفة الني دلت عليها في العصور المختلفة والبيئات المتباينة. ولا تخف أن يقال لك أن هذا استطراد وإطالة وتزيد في القول، فلولا الاستطراد والإطالة والتزيد في القول لذهب أكثر العلم أو أكثر الأدب على الأقل. ولك في الجاحظ أسوة حسنة فهو قد أطال في ذكر الكتاب حين أراد أن يؤلف في الحيوان.
وقد ألف أرسططاليس من قبله في هذا الموضوع فآثر الإيجاز واجتنب الاستطراد وكانت النتيجة أن الناس جميعا يقرءون كتاب الجاحظ وليس منهم من ينظر في كتاب أرسططاليس، لأن كتاب أرسططاليس علم وقد غير علم الحيوان، وكتاب الجاحظ أدب