للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالضعة فيكرهونه، ويبدءون بالإلحاح عليه أن يشرب لا حباً فيه ولكن حباً لأنفسهم، وإبعاداً لشعورهم بضعتهم، ولا يزالون يستحلفونه حتى إذانجحوا أمنوا الشعور بالضعة، وإذا فشلوا مقتوه ومقتوا جلوسه بينهم، لأنه نغص عليهم بهجتهم - ومن أجل هذا أيضاً أحبوا أن يسمعوا أدب الخمر، وأحبوا أن يسمعوا من يفلسف لهم الحياة وأنها ليست إلا متعة الساعة وشهوة الوقت. فإن تجاوز المحدث ذلك إلى أنه لا يعبأ بحرام ولا حلال، وأن يقول كما قال أبو نواس:

فإن قالوا حرام قل حرام ... فإن لذاذة العيش الحرام

فذلك عندهم أظرف وأفكه لأنه اجتث الشعور بالضعة من جذوره.

هذا هو سبب العداء دائما بين الفضيلة والرذيلة أو بين الفاضل والرذل، وهذا هو السبب في أن الرذل يكره الفاضل أكثر مما يكره الفاضل الرذل. لأن الرذل هو الذي يشعر بالضعة من رؤية الفاضل.

وهو السبب في أن الفقير يكره الغني أكثر من كره الغني للفقير. لأن الفقير هو الذي يشعر بالضعة إذاقاس نفسه بالغني

وكثيراً ما يكون سبباً في فساد الحياة الزوجية، أن تكون في أحد الزوجين صفات راقية ليست في الآخر، فيشعر هذا الآخر بالضعة عند قياس نفسه بنفس قرينه فتسوء الحياة ويجهل السبب.

بل أرى أن في هذا القانون تفسيراً لكثير من الرجال والنساء الذين يحبون العزلة وينفرون من الناس.

فتفسير هذا أنهم يشعرون بنقص فيهم من ناحية من النواحي الخلقية أو العلمية أو الاجتماعية

كأن يشعروا أنهم لا يحسنون حديث المجالس، أو أن في جسمهم عاهة من العاهات، أو أنهم إذاجودلوا أفحموا، أو إذا نيل منهم لم يستطيعوا أن يأخذوا بحقهم. فتراهم يفضلون العزلة ويتغنون بمدحها، ويصبون جام غضبهم وسخطهم على الناس ويطنبون في ذم الأخلاق وسوء المجتمعات - والسير وراء ذلك كله، وهو نقص في محب العزلة جعله يشعر بضعة نفسه في المجتمعات؛ وهو يكره الضعة ويكره كل ما يسببها، وهو لا يحب أن يلوم نفسه

<<  <  ج:
ص:  >  >>