الباب وخرجوا. . . كان ينتقم بهياجه وثورته لذلك التلميذ الهادئ الحي المظلوم. . . ولكن الامتحان لم يلبث أن كشر له عن أنيابه وجاء ينتقم منه. . .
هذه هي البكالوريا. فتهيأ لها. إن مستقبلك معلق عليها. . . ولم يكن قد فكر في المستقبل. أو حسب له حساباً فلما سمع به وقف وتردد وكبح من جماح نفسه. . . يجب أن يضمن المستقبل. ليصل إلى آماله. آماله الكبار التي كانت تملأ نفسه ولا يشك في بلوغها. . . وكان قد بدأ ينشر في جرائد البلد فهو يجب أن يكون كاتباً كبيراً منتجاً يخدم بقلمه وطنه. ويدافع به عن الحق والفضيلة. ويقاتل به خصومها وأعداءها ويساهم في تحرير وطنه. ويكون له في (الإصلاح الشعبي) أثر يذكر. فليسع إذن لنيل الشهادة، فإنها تبلغه كل أمل. وتوصله إلى ابعد غاية. أن الدنيا كلها ترتقب نجاحه في (البكالوريا). فإذانجح فتحت له الأرض كنوزها. وحمله الناس على أعناقهم إلى سدة المجد. وقاموا بين يديه قيام الخدم بين أيدي الملوك. . .
تلك كانت أحلام الصبا. . . فيا رحمة الله على عهد الصبا!
- ٥ -
حرم الشاب على نفسه كل متعة من متع الدنيا، فلا نزهة ولا راحة، ولا حظ له في النوم العميق، ولا الطعام الهنيء ولا شغل إلا شغل المدرسة، حبس نفسه بين كتبه ودفاتره يقرأ أناء الليل وأطراف النهار، ينتقل من هذيان الأدباء إلى طلسمات الرياضيين والعلماء، وحساب الجيب والمماس، إلى شعوذات الطبيعيين وأصحاب الكيمياء، ودرس الملح والحامض والضياء والكهرباء، إلى خرافات الفلكيين وجغرافية السماء، يدس هذا الهراء كله في دماغه ليصبه يوم الامتحان في ورقة الفحص، ثم يلقيه في مكانه، ويخرج من المدرسة فارغ الرأس كما دخلها أول مرة. . .
كان يخشى أن يثأر منه المدرسون الذين جرعهم الصاب وسقاهم الحنظل باعتراضاته ومناقشاته وثوراته فيسقطوه في الامتحان، فجد كل الجد، ولم يدع في كتب المدرسة حاشية إلا حشاها في رأسه، ولا تعليقة إلا علقها في ذاكرته، ثم دخل الامتحان بعقل من سطوح وأجسام، وخطوط وأرقام، وخرافات وأوهام، فنجح أعظم نجاح. . .
وهل ينجح في الامتحان إلا من حفظ ولم يفهم؟ وهل تدل هذه الامتحانات إلا على قوة