نجح، فوثب فرحا، وتهيأ لخوض معركة الحياة، فقالوا له: مهلا! قال: ماذا؟ قالوا: لابد من شهادة عالية، أن المستقبل لا يضمن إلا بشهادة عالية!
قال: ويحكم! وهل يبنى المستقبل على (الورق)؟
وانطلق يلعن هذا المستقبل، الذي حرمه عبث الطفولة ومتعة الشباب، ونغص عليه حياته، ولم يتركه يستريح إلى حاضره يوماً واحداً، كان أبداً يدفعه إلى الأمام، فيعدو كالفرس المحموم، فيتعب من العدو، ولا يصل إلى منزل!
- ٦ -
راح الشاب يدرس الحقوق لينال الشهادة، ويضمن المستقبل، ويشتغل بالأدب، ليستجيب للرغبة، ويحظى بالمتعة ويعمل في الجريدة، ليضمن العيش، ويعول الأسرة. . . واستمر على ذلك حتى نال (الليسانس) فربح بقربه من الأدب البعد عن الناس، والجهل بالحياة، وكسب بميله الأدبي وطبعه المستوحش، وجهله بالحياة، خصومة الناس، ومضادة الكبراء وعداوة المال. . .
- ٧ -
نزل الشاب إلى ميدان الحياة، برأس مترع بالعلوم، والمبادئ السامية، ويد مثقلة بالشهادة الابتدائية والثانوية والعالية، وجيب خاوٍ خالٍ.
فلم تكن إلا جولة واحدة، حتى ولى منهزما!
ذلك لأن سلاحه، من (طراز قديم) لم يعد يصلح اليوم في معركة الحياة!
ولقد خدعته المدرسة، وكذبت عليه، وصورت له الحياة على غير حقيقتها:
قالت له المدرسة: العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، فرأى أن المال في الحياة خير من العلم، العلم لا ينال إلا بالمال، فلو أن شابا كان أذكى الناس، وأنبه الناس، وكان مفلساً لا يملك أجور المدرسة، وأثمان الكتب والثياب، لما قبل في جامعة ولا حصل علما - والعلم لا يثمر إلا بالمال، فلو أن اعلم أهل الأرض، كان مفلساً، يفكر في خبزه من أين يأتي به، وبيته كيف يستأجره، لما بقي له عقل يفكر، وذكاء ينتج، ورأى أن