والتاريخ لديهم كلا واحدا يجولون في نواحيه بلا تفريق، وبقيت كتاباتهم يدرسها طلاب الأدب كما يدرسها باحثو التاريخ
بل بلغ غرام بعض الأدباء بالماضي، وشغفهم بتقاليده وأزيائه ومحبتهم لأفذاذه وعظمائه حداً بعيدا، وقد كان سكوت من ذلك الضرب الذي يحيا في الماضي وبجلائله ولألائه وبطولته، ولا يكاد يلتفت إلى الحاضر أو يعنى بالمستقبل، وفي ذلك العالم السالف كتب سكوت أحسن قصصه. وممن كتب في الروايات والقصص التاريخية أيضا تنيسون وبروننج ودرنكور تروشو، وقد نرى موضوعاً تاريخياً حديثا كالثورة الفرنسية، وقد تناوله المؤلفون الإنجليز من شتى النواحي، فمحلل لحوادث الثورة وشخصياتها ككارليل، ومندد بمبادئها كبرك، ومرحب بتلك المبادئ مترنم بها كوردزورث، ومتخذ من قصة وليد تلك الثورة نابليون موضوعا لملحمة طويلة كهاردي، وهكذا تحيا حوادث التاريخ في أذهان مطالعي الأدب مصورة من شتى النواحي
ولا شك أن هذا التاريخ الأدبي، إذا سميناه كذلك، أجدر بالقراءة وأحق باهتمام المثقف من التاريخ المجرد، إذ في آثار الأدباء تحيا حقائق التاريخ وتدب فيها روح إنسانية جديدة وتمتلئ بالإمتاع، ويعود التاريخ والأدب وكلاهما مظهر لحياة الإنسان المطردة التطور والتغير، وتفكيره الدائب الحركة والتقلب، وفي هذا التاريخ الأدبي يرتبط الحاضر بالماضي، والقريب من الأمم بالبعيد، وتتقاصر مسافات الزمان والمكان، ولا يبقى إلا الإنسانية الشاملة، وهذه الإنسانية هي مجال كل فن صميم
هذا التاريخ الأدبي لم يعرف في العربية) فكان هناك المؤرخون وكان هناك الأدباء، ولكن كلا منهما كان مستقلا عن الآخر استقلالا كبيراً، ولم يكن الأدباء يعدون التاريخ مجالا من مجالات أدبهم، أو مطمحا من مطامح فنهم، يبتكرون في مجاله وينشئون، وما ذاك إلا لانشغالهم بالقريب الحاضر من شؤون العيش، عن البعيد المترامي من أمور الحياة وآفاق الفكر، لأن الأدب ظل أكثره بلاطياً يمدح الأمير ويحرر رسائله، وكان الفوز بتلك الخطوة مطمح الأديب ووسيلته الكبرى إلى الظهور فإذا ما بلغ ذلك المكان لازم ذلك الضرب الوحيد من القول، ولم يصرف أدبه إلى التأمل في شؤون الماضي والمستقبل، وهكذا أغفل الأدب العربي التاريخ فيما أغفل من موضوعات هي صميم الفن، لوثيق صلتها بالإنسانية