أعاجيبه مدارا للقصص، ولا من أبطاله أمثلة للتمجيد، فليس من بين أدباء العربية الكبار من استهزه حادث تاريخي قرأه، أو أثر تاريخي وقف به، إلى نظم قصيدة أو إنشاء رسالة يستجلي فيها عبر التاريخ ويمجد قوة الإنسان، أو يندب ضعف حيلته إزاء جبروت المقادير. وليس من كتاب العربية ذوي الأساليب الجزلة من شمر عن ساعد الجد والبحث والاطلاع حتى كتب تاريخاً رفيعاً لبعض العصور أو الرجال، تاريخاً يعد تحفة في عالم الأدب كما قد يعد مرجعاً في عالم التاريخ، وإنما كان بعض الشعراء يتنصلون من الشؤون الاجتماعية والسياسية، ويتبرؤن من الاشتغال بمسائل التاريخ، كما قال ابن المعتز:
قليل هموم القلب إلا للذة ... ينعم نفسا آذنت بالتنقل
ولست تراه سائلا عن خليفة ... ولا قائلا: من يعزلون؟ ومن يلي؟
ولا صائحا كالعير في يوم لذة ... يناظر في تفضيل عثمان أو علي
أما في الإنجليزية حيث كان الأدباء والمؤرخون كغيرهم من أفراد الشعب يشاركون في الحياة الاجتماعية والسياسية بآرائهم ومذاهبهم، بل بأعمالهم ومساعيهم، فقد جاء كل من الأدب والتاريخ أكثر حرية وأقرب إلى جانب الشعب، وأكثر طروقاً لمواضيع المجتمع ومشاكل بنيه، وجاء الاتصال بين الأدب والتاريخ شديد التوثق، وجاء الأدب الإنجليزي أحفل بآثار المجتمع الذي قيل فيه من الأدب العربي، ومن ثم تدرس النصوص الأدبية الكثيرة في أثناء دراسة التاريخ في الجامعات، فتدرس آثار ملتون مثلا عند دراسة عهد المطهرين في إنجلترا
ووجد أدباء الإنجليزية في التاريخ مجالا واسعاً لفنهم وابتداعهم، فجال فيه شكسبير ومعاصروه جولات عديدة، واتخذوا مشاهد رواياتهم في بلاد اليونان أو إيطاليا أو دانيمركة أو إنجلترة القديمة، واشتق ملتون ودريدن موضوعات كثيرة من قصيدهم من تاريخ اليهود وأبناء ملوكهم وأنبيائهم، فلما ظهر النثر الفني بجوار الشعر لم يغفل التاريخ ولم يكن أقل لموضوعاته طرقا من الشعر، بل كان أحرى أن يشتمل على حقائقه ودقائقه ويعالج مسالكه ودروبه. بما يمتاز به على الشعر من رحب جوانبه ودقة تعبيره) فعالج جيبون وهيوم وآدم سميث وكارليل وغيرهم التاريخ والاجتماع وفلسفتيهما في أسلوب أدبي شائق، وجمع بعض الأدباء أمثال ماكولي وأرنولد بين الكتابة في الأدب والتأليف في التاريخ فكان الأدب