وراء ذلك من عوامل اقتصادية واجتماعية وعصبية، فلم يكن العرب إذ ذاك يعرفون من التاريخ إلا حفظ الأنساب، فلما تحضروا واستقروا في المدن تضاءل شأن النسابة وظهر التاريخ المدون، ظهر أولا لغرض عملي شأن كل العلوم والفنون، لحفظ أخبار الفتوح وسيرة النبي الكريم شيئاً فشيئاً وصارت له أغراض غير هذه وتناول موضوعات أخرى أرحب وأعم
بيد أن التاريخ لدى العرب - كالأدب - ترعرع في ظل الملكية المطلقة، فجاء كلاهما مشتملا على نفس النقائص: احتفى كلاهما بأمر الملوك وأغفل جانب الشعوب، واهتم بالأحداث السياسية والحروب وتجاهل التطورات الاجتماعية والاقتصادية، واتسم كلاهما بالمحافظة والتقليد والنقل في غير نقد، لأن وطأة الملكية كانت تضطر كلا منهما إلى الإطراق والإغضاء والتغافل عن مواطن الضعف ودواعي الإصلاح، وكما كان الشعراء يقرضون الشعر ليتقدموا به إلى الأمراء متزلفين، فيملاؤنه بالمدح المغالي فيه، كان بعض المؤرخين يصنفون أسفارهم ليرفعوها إلى بعض الخلائف والسلاطين بغية الثواب والحظوة، فيملاؤنها بمدحه ومدح أسرته وتعداد مآثره ومفاخر دولته، ويؤيدون دعواه وينحون على عداه، ويتغاضون عما عدا ذلك
وقد ظل الاتصال قائما بين الأدب والتاريخ بعد تدوين الكتب واستقلال علم التاريخ بنفسه، فظلت كتب الأدب تحوي كثيراً من أخبار الجاهلية والاسلام، بل كانت تلك السير والإخبار والشذرات والنوادر من أهم مواد كتب الأدب العربي، ووردت في أشعار الشعراء شتى الإشارات إلى أحداث الماضي ورجاله، كما أن المؤرخين وكتاب التراجم والمعاجم كثيراً ما كانوا يلجأون إلى الشعر مستشهدين لما هم بصدده من تحقيق حادثة، أو تصويب رواية؛ وكان بعضهم يعيرون الشعراء اهتمامهم فيترجمون حياتهم ترجمة موجزة، وكان بعض الشعراء ينظم في أحداث جيله، كما فعل ابن الرومي في ثورة الزنج وفي مقتل بعض العلويين الخارجين. وكان كتاب الأمراء يتناولون مسائل السياسة في رسائلهم، فيندرج أشعار أولئك وكتابات هؤلاء في تراث التاريخ اندماجها في كنوز الأدب
بيد أن الأدب العربي الذي أغفل كثيرا من موضوعات القول التي يتهافت عليها الأدب إذا ما بلغ طوره الفني، أهمل التاريخ إهمالا كبيرا، فلم يتخذ من حوادثه وحيا للنظم، ولا من