يجدون فيها لذة وجمالا. كلا ليس النقد اللاتيني سطحيا ولا يستطيع من قرأ منه شيئا ذا بال أن يقول أنه سطحي بل هو مضطر إلى أن يقول مع الكاتب الفرنسي برونتير أن النقد الحديث إنما نشأ ونما آتى أطيب الثمر وأصحه وألذه في فرنسا وفي فرنسا وحدها.
وأنا أحب أن لا يظن الأستاذ العقاد أني أدافع هنا عن الثقافة اللاتينية على حسابات الثقافات الأخرى. فأنا من أشد الناس إكبارا للثقافة السكسونية وإعجابا بما عرفت منها. ولكني كنت وسأظل من أقل الناس حديثا عنها وحكما عليها لأني لا أحسنها وأحب أيضا أن لا يعتقد الأستاذ أني اكتب هذا الفصل متأثرا بالثقافة اللاتينية التي نشأت عليها كما نشأ الأستاذ أنطون الجميل. فالناس جميعا يعلمون أني نشأت على الثقافة العربية الخالصة ولم أتصل بالثقافة الأوربية الا بعد أن تقدم بي الشباب.
إنما هو الحق الذي يجب أن يقال، والعلم الذي يجب أن ينصف والقراء الذين يجب أن نجتهد في أن لا نقدم إليهم الا ما نثق بأنه الحق الذي لا غبار عليه. والحق الذي لا غبار عليه في هذه المسألة هو أن الأستاذ العقاد تعجل وجامل فأخطأ الصواب، وأقام أحسن الدليل على أن التعميم في الأحكام على الشعوب مزلة للأقدام وسبيل إلى الظلم.
أما بعد فأن لي في كتاب الأستاذ أنطون الجميل رأيا أن لم يظهر في هذا العدد فسيظهر في العدد الذي يليه.