للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن الحكم من طريق الأكثرية ليس أكثر من نتيجة منطقية، مقدمتها القول بوجوب المساواة الديمقراطية بين كل الناس. ذلك لأن حكم الأكثرية مضمونه أنه مدام لكل الناس حقوق معلقة في عنق الحكومة، فان (أصواتهم) يجب أن (تعد) لا أن (توزن). وهذه النظرية تختلف تمام الاختلاف عما كان يفهم من معنى الحكومة في العصور الوسطى وفي الدول غير الديمقراطية. فان القاعدة في القرون الوسطى كانت تعطي لمجموع الرعايا المتمتعين بكل الحقوق السياسية حق التصويت العام في المسائل ذات الشأن التي تتعلق بسلامة الدولة. وهذا يتضمن حقيقة تختلف عن مفهوم حكم الأكثرية كل الاختلاف. فان (عدد الأصوات) كان يقترن دائماً بفكرة (الصفة) مقيسة بقيمة الشخص (صاحب الصوت) ومنزلته في المجتمع وكان (مرسيليو البادوي، نسبة إلى مدينة بادوا أقوى من دافع عن هذا الرأي حجة في العصور الوسطى حتى قال الأستاذ (مكلوين) في كتابه (تطور الفكرة السياسية في الغرب) أن (مرسيليو) لم يفكر في حقيقة الفردية الحديثة لتي تنطوي على فكرة تغلب الأكثرية، بل وعى في عقله دائماً فكرة (الشعبية) التي كانت تعطى (للصفة) من القيمة ما (للعدد).

أما النظرية الديمقراطية الحديثة فقائمة على فكرة (بنتام) في أن كل إنسان انما يعمل على الترويج لمصالحه الذاتية، وأنه عندما تتفق أكثرية ما على سياسة معينة، فمن الواجب أن تعتبر هذه السياسة ممثلة غاية ما تنتهي إليه مصلحة العدد الأعظم من الناس. وإلى هذه الغاية ينبغي أن يتجه التشريع. لأنه في ظل هذا النظام تنكمش تلك الميول الشيطانية التي تحاول أن تغلب مصالح (العدد الأقل) من أفراد الجمعية على مصالح (الكل الاجتماعي) وتضعف تأثيرها إلى أدنى حد ممكن.

على أن هذه النظرية كثيراً ما هوجمت ونقدت. فان (إدمونديرك) الخطيب السياسي المعروف، كثيرا ما تكلم ضد ما سماه (استبداد الأكثريات) فقال: (ان رجحان الأكثرية من حيث العدد لا يتضمن مطلقا رجحانها من حيث الكفاية أو الميل إلى الخير، وحتى لا يتضمن رجحانها من حيث القوة والبطش. والحكمة من نصيب الأقليات إطلاقا، كما أن من نصيبها الإخلاص والاستقامة تغليبا. في حين ان اليأس والسلطان لا يعوزانها في أكثر الحالات) وفي هذا تأييد لقول سير (هنري مين) اذ قضى بحكم قاطع (في أن الأقليات،

<<  <  ج:
ص:  >  >>