أن ينسى المواعيد فيكتب لنفسه بنفسه خطابات في البريد يذكر نفسه بها. قالوا:(ما اسماه إنساناً!). وقال الحوذيون الذين اعتادوا حمله كل يوم إلى معمله:(ما أعمقه مفكراً) وقال لاعب الأرغون في الشارع، وكان إرليش يتحفه بالحلوان الطيب كل أسبوع ليضرب له بموسيقى الرقص في البستان بجوار معمله. قال:(لابد أن هذا الرجل عبقري!). وكان إرليش يكره الأرستقراطية في الموسيقى والآداب والفنون، ويرى أن موسيقى الرقص تدر عليه أحسن أفكار. وقال أهل المدينة الأخيار:(ما أكثر ديمقراطيته في الحياة إذا هي قورنت بأرستقراطيته في العلم،) وسموا شارعاً باسمه في فرنكفورت. ولم يبلغ سن الكبر حتى قالوا فيه ما قالت أساطير الأولين
ثم عبده أثرياء القوم. وفي عام ١٩٠٦ نزل عليه السعد من السماء، فوهبته امرأة تدعى فرنسسكا إسباير وكانت أرملة لصاحب مصرف ثري مبلغاً عظيما من المال ليبني معملا يسميه (جورج إسباير)، وليشتري حاجته من الأدوات الزجاجية والفئران، وحاجته من حذاق الكيمائيين الذين يستطيعون بتلويحة يد أن يخلقوا كل صبغة حبيبة إليه، وان يركبوا كل العقاقير الكيمائية التي يركبها هو تخطيطاً على الورق ولولا هذه الهبة من هذه السيدة ما استطاع إرليش أن يصنع رصاصاته المسحورة أبداً، فلصنعها احتاج إلى مجهود هذا المعمل الكبير، هذا المصنع المليء بالبحاث وفي هذا البيت ترأس إرليش على بحاث كيمائيين وسادة مكروبيين فكان كرئيس شركة تخرج في اليوم آلاف السيارات، ولكنه في الواقع كان رئيساً عتيق الطريقة فلم يجر على أسلوب رؤساء الشركات الحدثين من دق الأجراس وإصدار الأوامر من كرسيه في حجرة الرياسة. بل كان دائم الحركة جوالا يدخل في هذا المعمل، ثم في هذا، ثم هذا، في كل وقت من أوقات النهار، ينظر ما يصنع أعوانه بل أرقاؤه وعبيده لكثرة ما يهيل عليهم من الأعمال. يدخل إلى هذا فيوبخه، ويدخل إلى هذا فيلاطفه ويربت على ظهره، ثم آخر يحكي له عن أخطاء صارخة آتاها هو نفسه من قبل