وللتربية والنشأة المنزلية أثرهما في تكوين الأديب، فكثيراً ما تتجه عبقرية الناشئ إلى الأدب لأن أباه أو كافله مشتغل بالأدب، وقد كان ذلك شائعاً بين العرب، إذ كان الآباء يقومون بتأديب أبنائهم، فنشأ كثير من الأدباء كالصاحب وأبن العميد وأبن المعتز وأبن زيدون في بيوت فضل وأدب. وقال ياقوت في ترجمة المعري:(وكان في آبائه وأعمامه، ومن تقدمه من أهله وتأخر عنه من ولد أبيه ونسله، فضل، وقضاة وشعراء، أنا ذاكر منهم من حضرني لتعلم نسبه في العلم). ولحظ البيئة المنزلية من الرقي أو الحطة أثره كذلك في أخلاق الناشئ ومنازعه، ومن ثم يتسم أدب الشريف الرضي في العربية وتنيسون في الإنجليزية بنزعة التسامي والتدين، لانتمائهما إلى أرومة شريفة دينية، بينما تبدو لوثة العامية والتبذل في أشعار بشار وأبي نواس.
ولنصيب الأديب من الغنى أو الفقر أثر بعيد في حياته وعقليته وأدبه، فلا بد للأديب من حظ من المال يستطيع معه أن يتفرغ إلى فنه أو يتفنن في ابتكاره، أما إذا كان لا يكسب رزقه إلا بجهد جهيد فهيهات أن يوفي الأدب حقه. والأديب المعسر المخفق كابن الرومي لا ينفك شاكياً في شعره متحرقاً؛ ولا يشكو هذه الشكوى أديب نشأ في بيت نعمة كابن المعتز أو نجح في أدراك الغنى كالبحتري، فشعر هذين أكثر امتلاء بوصف اللذات وأوقات الصفاء. وقد وجد أبن الرومي على البحتري وهجاه حسداً وغيظاً، فرد عليه البحتري رداً هادئاً وأتحفه بهديه، فعل المطمئن إلى نفسه الراضي في بحبوحته، ولم يطلب الطغرائي شططاً حين قال أريد بسطة كف أستعين بها على قضاء حقوق للعلى قبلي.
ولنوع الثقافة التي يتلقاها الناشئ، والأدب الذي يقرأ، والأستاذ الذي يأخذ عنه، والأديب الذي يقدمه ويشغف بآثاره، والأدب الأجنبي الذي يدرسه، لكل ذلك أثره في توجيه أدبه وفلسفته في الحياة. فأراء المتزندقة التي فشت في صدر العصر العباسي ظاهرة الأثر في شعر بشار وحماد وأبي نواس، والآراء الفلسفية التي ذاعت بعد ذلك ظاهرة في أشعار الطائي والمعري والمتنبي؛ ولم يتأثر أدباء العربية بأدب أجنبي تأثراً ذا بال، أما أدباء الإنجليزية ففضلاً عن اغترافهم جميعاً من مناهل الأدب اليوناني، كان منهم من تأثر بالأدب الإيطالي كسبنسر، وبالألماني كشلي وسكوت وكارليل، وبالفرنسي ككثير من كتاب القرن الثامن عشر وشعراء القرن السابع عشر؛ وكما أثر مذهب أبي تمام الشعري في تلميذه