البحتري وفي المتنبي وغيرهما، كان لملتون أثر بعيد في كثير من شعراء الإنجليز منهم وردزورث وتنيسون.
ولجيل الأديب، بسياسته وأدبه وأخلاقه وأزيائه وفنونه، أعظم أثر في أدبه: فبعض الأدباء ينحاز إلى حزب سياسي ويخصص جانباً من كتاباته للدفاع عنه، كما كان الكميت ودعبل وعمارة اليمني شيعيين ينتصرون لآل البيت؛ وكما كان بشار عقيلياً بالولاء ينتصر لمضر ويفخر بغضبتها إلى تهتك حجاب الشمس؛ وكما كان أبن الرومي علوياً بالولاء أيضاً. وكان أدباء الإنجليزية أكثر اتصالاً بشؤون المجتمع والسياسة وتأثراً بها، فعرضوا لمشاكل عصورهم في أشعارهم وقصصهم، وحين ملأ دكنز قصصه بوصف أحوال الطبقات العاملة، إنما كان متأثراً بأحوال عصره الصناعي، وإذا امتلأ شعر المتنبي بذكر القنا والصوارم والفتكة البكر وتضريب أعناق الملوك، فإنما كان ذلك صدى عصر التناحر والقلاقل الذي عاش فيه.
وتؤثر حرفة الأديب كذلك في أدبه، موضوعه ولغته وتشبيهاته: فالأديب الجندي كعنترة وأبي فراس لا يكاد يخوض في غيره حديث النجدة والعزة والبأس وإطاحة الرؤوس عن الأجسام؛ والأدباء الوزراء الذين عرفوا في الدول الإسلامية تتعلق خير كتاباتهم بالسياسة والولاية والعزل وهلم جرا؛ والشاعر المداح كالبحتري لا ينفك عن ذكر أحوال الملك ومظاهر أبهته؛ وتوماس هاردي الذي كان مهندساً معمارياً مشغوفا بفن العمارة لا يزال يبدي ويعيد في وصف العمائر والصروح في شعره وقصصه، ويستخدم في ذلك من المصطلحات العلمية ما لا يكاد يفقهه إلا خبير مثله بتلك الشؤون؛ أما الأديب المنقطع إلى الأدب فلا يكاد يخوض في غير شؤون الأدب وسير الأدباء.
وقد أورد الجاحظ هذه الحقائق مورد الفكاهة في رسالة صناعات القواد، إذ جعل الطبيب والخياط والخباز والمؤدب وصاحب الحمام وغيرهم، يتحدثون في الأدب وينظمون الشعر فيستخدم كل منهم مصطلحات حرفته في استعاراته وتشبيهاته.
وللإقليم الذي يختاره الأديب مستقراً ومقاماً، والأقاليم التي يرحل إليها في أدوار حياته، أثر عظيم في موضوعاته وأسلوبه: إذ هو يشتق أسباب القول مما يحيط به في حله وترحاله، ولا ريب أن الأديب الكثير الرحلة يكون أوسع أفقاً وأغزر مادة وأعمق فكرة من الأديب