بدت لك منهم رصانة ومرونة، فما مصدرهما فيهم العقل بل الحسد. وهو الدافع لهم إلى التفكير. ودليل حسدهم هو أنهم يندفعون دائماً إلى أبعد من مراميهم فيطرحهم العياء على وساد الثلوج.
وما تسمع لهؤلاء الناس أنيناً يخلو من نبرات الانتقام، فكل ما يصدر عنهم من مديح ينطوي على أذية، فهم يرون منتهى السعادة في إقامة أنفسهم قضاة على العالمين. فأصغوا إلى نصيحتي، أيها الأصدقاء: احذروا من تغلبت عليهم غريزة إنزال العقاب. لأنهم متحدرون من أفسد الأنواع وعلى وجوههم سيماء الجلادين.
إحذروا من لا ينقطعون عن ذكر عدالتهم فان نفوسهم خالية من كل صفة حميدة، وإذا ما هم ادّعوا الصلاح والأنصاف فلا تنسوا أنهم لم يتخذوا بين الفرنسيين مقامهم إلا لما يشعرون به من عجز
إنني أربأ بنفسي، أيها الصحاب، أن تنزلوها بين هؤلاء الناس فلا تميزون بيني وبينهم. فهنالك من يذيعون تعاليمي عن الحياة وهم في الوقت نفسه ينادون بالمساواة وينتمون إلى العناكب المسمومة، هم يدافعون عن الحياة ولكنهم يعرضون عنها قابعين في مغاورهم ليتمكنوا من اجتراح الشرور والإيقاع بمن يقبضون على زمام السلطة في هذا الزمان، وقد تعودوا إنذارهم بالسقوط، ولو أن السلطة كانت في يد العناكب، لكانت تعاليمهم تتخذ شكلاً آخر، لأنهم عرفوا فيما مضى، أكثر مما عرف غيرهم، كيف يوقدون المحارق ويرهقون مخاليفهم اضطهاداً وتعذيباً.
لا أريد أن أحسب من هؤلاء المنادين بالمساواة لأن العدالة علمتني:(أن لا مساواة بين الناس) وإنه من الواجب ألا يتساووا؛ وليس لي أن أقول بغير هذا المبدأ وإلا فان محبتي للإنسان تصبح ادعاء ومينا. .
على الناس أن يسيروا على آلاف الطرق وآلاف المعابر مسارعين نحو آتي الزمان فتنشأ بينهم الحروب وتتسع شقة التفاوت بينهم على ممر السنين، ذلك ما ألهمني إياه حبي العميم.
يجب أن يقيم الناس في أعماق سرائرهم مثلاً علياً وأشباحاً يجاهدون في سبيلها فيسير الصالح والطالح والغني والفقير والرفيع والوضيع إلى التصادم بجميع ما في الأرض من نظم فتضطرم الحروب سلاحاً لسلاح ورمزاً لرمز لأن على الحياة أن تتفوق أبداً على