وإذا كانت الروح مخلوقة فقد قال بعضهم. انها خلقت من نور العزة وان إبليس خلق من نارها. وقال بعضهم: - قرن الله العلم بالروح فهي للطافتها تنمو به كما ينمو الجسم بالغذاء.
ويتناول مؤلفنا بعد ما قدمت لك أبسط آراء المتكلمين في الروح، وهو يلاحظ أن اكثر متكلمي الإسلام يميل إلى أن الإنسانية والحيوانية عرضان خلقا في الإنسان يذهبهما الموت. وأن الروح هي الحياة بعينها بها صار البدن حيا. فإذا انفصلت عنه أصبح ميتا، ولكنها إذا عادت إليه يوم القيامة عادت إليه الحياة.
وذهب بعض المتكلم إلى ان الروح جسم لطيف مشتبك بالأجسام الكثيفة، وهذا رأي أبي المعالي الجويني.
على أن السواد الأعظم من المتكلمين قد انتهى إلى أنها عرض، ولكن هذا المذهب مردود عليه بالأخبار التي دلت على أن الروح جسم لما فيها من العروج والهبوط والتردد في البرزخ. ومن ثم لا يمكن أن تكون الروح عرضا مادامت قد وصفت بأنها جسم. فليس الوصف الا معنى والمعنى لا يقوم بالمعنى.
وأما مصير الروح بعد خروجها من الجسد فقد حدثنا عنه مؤلفنا فيما أورد من كلام ابن عباس. سئل ابن عباس: أين تذهب الأرواح عند مفارقة الأبدان؟ فقال: أين يذهب المصباح عند فناء الادهان؟ قيل له: وأين تذهب الجسوم إذا بليت؟ قال: فأين يذهب لحمها إذا مرضت؟
وأكبر الظن أن آراء المتكلمين في الروح ومذاهبهم التي أوجزها لنا مؤلف عوارف المعارف تكفي لإعطائنا صورة لا بأس بها لهذا الخلاف الضعيف الذي كان بينهم حول مسألة هي من أدق المسائل وأعوصها إن لم تكن أدق المسائل وأعوصها جميعا. ولعل دقة المسألة وخطورتها آتيتان من حيث أن باحثها هو مضطر فوق هذا إلى أن يلائم بين رأيه وبين ما دعا إليه الكتاب والسنة. ومهما يكن من شيء فقد رأى المتكلمون أنفسهم امام ما يقال لهم من ان الموجودات محصورة. فكل موجود أما أن يكون قديما او جسما أو جوهرا أو عرضا. ومن هنا كان لابد لهم من أن يتعرفوا ماهية الروح ويطبقوا عليها هذا الذي قيل لهم عن حصر الموجودات. فهل الروح قديمة؟ هل هي جسم؟ هل هي جوهر؟ هل هي